في يوم الأثنين الموافق 27-12-1435هـ ودّعت أسرة الموزان والأحمد طرفة إبراهيم الموزان أجلها المحتوم وكان فراقها يوم حزين على أبنائها وبناتها وأحفادها وأقربائها وقد شيع جنازتها خلق عظيم من محبيها وكانت جنازتها مشهودة وكانت المرأة الوحيدة التي صلى عليها في وقت صلاة العصر مع عدد من الرجال الذين وافتهم المنية إلا أن جنازتها ومشيعيها فاق عدد من شيع جنائز الرجال وتساءلت حين أذن ما سر ذلك فما وجدت غير تفسير واحد إلا وهو سلامة صدرها وعندما وصلت إلى قبرها حاولت أن أقف عند حافة القبر وجدت صعوبة في الوصول إليه من كثر المشيعين لجنازتها فحين وصلت إلى حافة قبرها فإذا بإبن زوجها الكبير جالس على حافة القبر وقد تساقطت عبراته وكأنه يودع والدته ولم لا فهي له مثابة أمة تربى في كنفها ودفنت ودفن معها قلبها السليم ورجع الجميع حزيناً على فراق ذلك القلب الذي امتاز بسلامة الصدر.
من المواقف المشرفة لهذه المرأة الوضاءة حسن تعاملها مع بنات زوجها حتى أصبحن مثل بناتهن تذكر إحداهن أنها تربت في بيت أبيها مع خالتها أجمل تربية ولم تسمع قط منها كلمة نابئة أو أحستها ذات يوم بكلمة جارحة بل تقول إنها تتعامل معنا جميعاً كأننا خرجن من رحمها وتأثرن بوفاتها حتى أن المعزين حين قاموا بواجب العزاء لم يفرقن بين بنات المتوفاة أو أخواتهن لأبيهن لشدة التأثر على فراق تلك المرأة صاحبة القلب الحنون الرحوم والتي وصفتها بصاحبة القلب السليم وانتقل بكم إلى موقف آخر مشرف يتجلى فيه هذا الوصف وهو مواساتها للفقراء ولا يكاد ينقضي يوم إلا وقد واست فقيراً أو أطعمت مسكيناً أو أهدت هدية لذوي القربى أو أعانت على إغاثة ملهوف وتعطي عطاءً لا تخشى معه فقر أو تردد منذ عرفتها منذ قرابة ربع قرن, حين أجلس معها لا أسمع إلا نصح وإرشاد لا تعنف أحداً أو تغتاب أحداً تدعو دائماً إلى الوصل وإدخال السرور على القريب والبعيد حتى أنها فارقت هذه الدنيا ولم أسمع منها كلمة ضايقتني أو تمنيت أني لم أسمعها.
ويشاركونني بهذا الشعور الذين عاشوا معها ومن حولها بهذا الإحساس ولعل قدوتها ذلك الصحابي الذي وصفه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يدخل عليكم رجل من أهل الجنة لما امتاز به من سلامة صدره وهذا الوصف الذي وصفت بها تلك المرأة قد ينتاب القارئ أن هذه المرأة لم تكن حاذقة أو أنها تسعى إلى السلامة من مصدر ضعف لا وألف لا بل إنها صاحبة مواقف وأزمات مرت عليها وتعاملت معها بحذر وتروي ورؤى نجحت بنيتها الصالحة من الخروج من مأزق شتى تكاد تعصف بالرجل الشهم فالخير ما زال في هذه الأمة وودعت هذه المرأة الحياة بلا رجعة وفارقت حياتها المليئة بهذه المواقف التي أوصلتها إلى هذه المنزلة الرفيعة وقد أقبلت على رب رحيم لا يظلم أحداً ونحن شهداء الله في أرضه وشهادتي أن هذه المرأة ماتت ولا أعتقد أن من يعرفها حمل في قلبه مثقال ذرة عليها, ومقالتي هذه رثاء وتعازي وحزناً على فراقها ورسالة لمن قرأ هذه المقالة بأن يتخلق بها الخلق الرفيع.
والله الهادي إلى السبيل..
- إبراهيم بن سعد الزعاقي