كلّ من في عمري، لا يمكن له أن ينسى البرنامج التلفزيوني الرائع (ربوع بلادي) في السبعينيات، ومطلع الثمانينيات الميلادية، في التلفزيون السعودي، كنا نتابعه بلهف وشوق، في عصرية أيام شهر رمضان المبارك، كان لهذا البرنامج، تعريف بمناطق مملكتنا الغالية، اضطلع به الإعلامي الشهير (خالد زارع) رحمه الله، تميّز هذا البرنامج بمقدمته الغنائية (ربوع بلادي.. علينا بتنادي.. بتقول تعالوا.. شوفوني يا اولادي) تذكرت هذا البرنامج، وأنا في جولة في مناطق المملكة، للقيام بمهمة رسمية، كلفت بها من قبل عملي، وبالفعل بلادنا، تملك مقومات الجذب، سواء من خلال طبيعتها الجغرافية، أو طبيعة أهلها، في هذه المقالة سأمرّ على أربع عشرة منطقة، قمت بزيارتها تباعاً خلال الأسابيع الماضية، سجلت خلالها مشاهداتي التي أنقلها كما رأيتها، ودون حساسية أو مجاملة، كون الأمانة تقتضي ذلك، طالما أني ارتضيت لنفسي تلك الخطوة، وعندما أذكر المنطقة، فإن الهدف المقصود، المدينة الرئيسة، كما يقال العاصمة، بدأت جولتي لمنطقة تبوك، بعد انتهائي من مهمتي الرسمية، قمت يرافقني بعض الزملاء الإعلاميين، بجولة لبعض أنحاء المدينة، فمررنا بما هو متعارف عليه (قلعة وادرين) ولا أخفيكم بمجرد ما ذكروها لي، ازداد شوقي لرؤيتها، ذلك أنها كانت على ألسنتا في القديم، عندما نستبعد الشيء، فنقول -إن شاء الله- في قلعة وادرين، وهذه القلعة، يقال إن الأتراك قد بنوها، تجولنا داخلها وشاهدنا أروقتها وغرفة السجن، كانت في الحقيقة قلعة جميلة، مفتوحة للزوار، ومما لفت نظري، أن أمامها في المقابل، متحفا جميلا، أقامه أحد المواطنين من أهل تبوك الأوفياء، جعل فيه ابنته في الاستقبال، وأخرى مصرية، قامت بتجوالنا بين أروقته وتعريفنا بمحتوياته الأثرية، وقد أعدّ داخل هذا المتحف الأثري الجميل، مطعم للأكلات الشعبية الجميلة، هذا المتحف، بات كعبة للزوار من الأجانب وغيرهم، بعدها شاهدنا خزان الماء، المصمم على أحدث طراز، وتجولنا في طوابقه الرائعة، في تبوك جمال يأسرك، جمال روح أهلها وطيبتهم وعلو كرمهم، ومما لفت نظري، الروعة في تصميم مطار تبوك، فقد أحسنت هيئة الطيران المدني، تصميم هذا المطار، حائل هي الأخرى، جميلة بأهلها، أحفاد حاتم الطائي، فلا تسأل عن كرمهم، اصطحبني الزملاء الإعلاميون، لمتحف (لقيت للماضي أثر) هذا المتحف، خرافي بما تعني الكلمة، من جماله تقام فيه المناسبات، ومما لفت نظري فيحائل وجود المنتجعات الجميلة الجاذبة والرائعة التصميم و(موقد حاتم) الذي يحتاج إلى مزيد اهتمام، ومنها إلى الطائف، المصيف، الذي يحتاج في نظري إلى مزيد اهتمام، وقد أخبرت بذلك معالي المحافظ، عند لقائي به في المحافظة، وكان في منتهى الأخلاق والتواضع، وأفادني بأنه مهتم بالجانب السياحي للمحافظة، لجذب السياح إليها، بعدها كانت وجهتي لجازان (المانجو) جازان (الحريد) جازان الخير، وفرسان، وفيفا، وتجولت في (الأخدود) وشاهدت ما لم أحلم به، لكنه يحتاج لمزيد اهتمام، أيضاً جازان، حظيت بمطار رائع وجميل، أبدعت فيه هيئة الطيران المدني، تجولت في جامعة جازان، وكم هالني ذلك الإبداع في التصاميم ولفت انتباهي برج الجامعة الرائع، الذي أصبح معلماً بارزاً في المدينة، استمعت إلى حديث عن المستوى العلمي المتقدم الذي أحرزته الجامعة، والأعداد الضخمة التي تحتضنها، كل ما سمعته عن جازان، يثلج الصدر، ويشي بمستقبل واعد لهذه المنطقة، بعدها، توجهت لنجران، نجران الأصالة والضيافة والكرم، ومطارها اللافت الجاذب، شاهدت وادي نجران، وسدها الشهير، نهضة تنموية شاملة، تشهدها هذه المنطقة، بعدها، توجهت لأبها، البهية، تلك المدينة التي تشهد نمواً في مختلف الميادين، أهلها طيبون كرماء، يأسرونك بلطافتهم وبشاشتهم، وبترحيبتهم المشهورة (مرحباً ألف) بعدها توجّهت لمدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، طيبة الطيبة، تلك البقعة المشرفة، التي ما أن تحطّ رحالك فيها، ينشرح صدرك، وتشعر أنك في حضرة شفيعك يوم القيامة محمد صلوات ربي وسلامه عليه، اتجهت فوراً للصلاة في مسجد رسول الله، والسلام عليه وصاحبيه، ثم اتجهت لمسجد قباء، وصليت فيه أحد الفروض، فاتجهت لمقبرة شهداء أحد التي تعد أهم المعالم في المدينة المنورة، وشاهدت الجموع الغفيرة في هذا المكان، بعدها اتجهت لمنطقة القصيم، منطقة (التّميْرات) وشاهدت من خلال نافذة الطائرة، تلك المساحات الشاسعة الخضراء، واتساع رقعة النخيل، بارك الله في سلة غذاء المملكة، وزادها خيراً وفيراً، ثم يمّمت وجهة عرعر والجوف، وكان لي الشرف في مقابلة أمير الحدود الشمالية، ذلك الإنسان الخلوق والمتواضع، ولاحظت سلاسة العمل في إمارة الحدود الشمالية، فلا سكرتارية لوكلاء الإمارة، والأمير ذاته، بابه مفتوح للجميع، بعدها دلفت للجوف، وتذكرت حينها، زيتون الجوف، ومقولة (من الجوف للجوف) واصطحبني أحد الزملاء لمزرعتهم الكبيرة، بحضرة والدهوإخوانه، فأنس الجميع، وشاهدنا الخير، والمشاهد الحسنة، والنفوس الكريمة والطيبة، بعدها سحبني الزملاء اللطفاء في الدمام، وليس بخاف عليكم، مطار الدمام، والجماليات، الظاهرة بداخله، ولكأنك في سوق تجاري ضخم، ناهيك عن مساحته الكبيرة التي تستلزم حضورك المبكر، لكن ما لفت انتباهي ذلك اللطف، والتعامل الحسن، من قبل منسوبيه المدنيين والعسكريين، توجهت بعده، لجدة، ومكة المكرمة، وهاتان المنطقتان غنيتان عن التعريف، فإحداهما العاصمة المقدسة لهذا الوطن الغالي، والأخرى جدة التاريخية؛ بوابة الحرمين الشريفين لهذا الوطن، بعدها انتهى المطاف بالباحة؛ باحة الكرم، باحة العلم والشعر والأدب والثقافة، باحة الغابات والمتنزهات الجميلة، باحة غابة (رغدان) الشهيرة، متنزه عائلي رائع، باحة الترحيب، ومقولة أهلها (مرحباً هيل عدّ السيل) باحة رمّان (بيدة) حلو المذاق، ويلزمني هنا، قول الحقيقة، التي لمستها بنفسي، على مدى أكثر من أسبوعين، أكون يومياً في مطارات المملكة، شعرت بانضباطية متناهية للخطوط السعودية، لم أتعثر ولم أتذمر لحظة جراء تأخير أو تأجيل أو إلغاء، ناهيك عن المعاملة الحسنة في جميع مطاراتنا، وهنا قد يقول قائل، أنت ركزت على الإيجابيات وأهملت السلبيات، فأقول طبعي يبحث عن الإيجابيات، حيث هي الأصل في وطن كله جمال وخير، بترابه، وبقيادته، وبأهله الطيبين، والكمال لله وحده، وذكر الجماليات، يُذهب السلبيات، كما تذهب الحسنات، السيئات، هذه هي مشاهداتي، خلال جولاتي في ربوع بلادي، التي عليكم (بتنادي.. تقول تعالوا.. شوفوني.. يا اولادي)... ودمتم بخير.