الجزيرة - عبدالله العثمان:
تشكل الصناديق السيادية المملوكة للدول بمكونات أصولها من الأراضي أو الأسهم أو السندات، كيانات تدير فوائض دولة من أجل الاستثمار, وهي مجموعة من الأموال تعد بمليارات الدولارات تستثمرها الدول في الأسهم والسندات, ولا تعد الصناديق السيادية ظاهرة جديدة، بل يعود تاريخ بعضها إلى العام 1953، لكنها بدأت تنشط بصورة مفرطة مؤخرا، حيث استحوذت تلك الصناديق ضمن القطاع المالي وحده على حصص في مؤسسات عملاقة مثل مورغان ستانلي وبير ستيرن وميريل لينش وسيتي غروب وUBS.
ويرى معظم الخبراء أن ظهور تلك الصناديق ودورها العالمي مؤشر إيجابي في عالم أسواق المال، فعلى سبيل المثال، سارعت تلك الصناديق إلى ضخ الأموال في بنية الاقتصاد الأمريكي فيما فرّ معظم المستثمرين من السوق الأمريكية جراء المخاوف المترافقة مع احتمال تعرض ذلك الاقتصاد للركود والانكماش، ومنها على سبيل المثال جهاز أبوظبي للاستثمار, الذي دخل مؤخرا في صفقة لشراء حصة 4.9 في المائة من مجموعة «سيتي جروب» مقابل 7.5 مليار دولار، وهي الصفقة التي تعد أكبر صفقة لشراء حصة غير مسيطرة في بنك غربي، وحيث تقدر قيمة الأصول التي يديرها جهاز أبوظبي للاستثمار بنحو 750 مليار دولار ليصبح بذلك أكبر الصناديق السيادية على مستوى العالم، وأيضا دولة الكويت المتمثلة بهيئة الاستثمار الكويتية بـ213 مليار دولار، وصندوق دبي إنترناشونال كابيتال التابع لمجموعة دبي القابضة في استثمارات آسيوية تصل قيمتها إلى 700 مليون دولار في بنك «آي سي إس آي» الهندي، وحصة قدرت بمليار ونصف المليار، وضعتها الشركة في شركة صناعات الإلكترونيات اليابانية (سوني).
غير أن البعض يشير إلى جوانب سلبية في عمل تلك الصناديق، خاصة لجهة افتقارها إلى الشفافية في عملها، إذ إن معظمها لا يكشف عن حجمه أو نشاطه أو عوائد استثماراته وتوزعها، معتبرين أن رفع معدل العائد الاستثماري لا يمثل في حد ذاته مبررا كافيا لإنشاء مثل هذه الصناديق.
وأرخت هذه السرية في نشاط الصناديق السيادية بظلالها على دوافع خياراتها الاستثمارية، فبعض الدول تبدي قلقها حيال احتمال أن تقوم الدول المالكة للصناديق بممارسة نفوذها السياسي على شركات التي تستحوذ عليها وبذلك تمسك بمفاصل القرار الاقتصادي فيها. ويكمن التحدي الأساسي بالنسبة للصناديق السيادية في تبديد القلق حيال استثماراتها الاستراتيجية، فيما على الدول المستقبلة للاستثمارات عدم وضع الكثير من العراقيل أمامها, وبين مؤيد ومعارض في إنشاء صندوق سيادي سعودي التقت «الجزيرة» بعدد من الكتاب وأصحاب الخبرة والرأي.
تاريخيا لم تفشل الصناديق السيادية
وأوضح الكاتب والمحلل الاقتصادي محمد العنقري أن أهمية تأسيس صندوق سيادي لاستثمار جزء من احتياطيات المملكة المالية، التي تجمعت على مدى السنوات الماضية من فوائض بيع النفط، تأتي بعد هبوط سعر النفط السريع، وفقدانه أكثر من 45 في المائة من أسعاره خلال أشهر قليلة.
وأضاف أنه زاد من عدد الأصوات المنادية بتأسيسه بعد إعلان الميزانية العامة التي تضمنت تقديرات بتحقيق عجز بنحو 145 مليار ريال؛ إذ إن أسعار النفط لن تكون كافية -حسب التقديرات الأولية- لتغطية النفقات المتوقعة بالميزانية كون إيراداته ما زالت تشكّل نحو 90 في المائة من إيرادات الخزانة العامة.
وأشار العنقري إلى أن من طالب بتأسيس صندوق سيادي يرى أن الوقت ما زال يعطي الفرصة لتحقيق عوائد جيدة، تساهم بتغطية جزء من النفقات العامة، على اعتبار أن الرؤية العامة لتنويع موارد الخزانة لا يوجد أي مؤشرات واضحة لها حول طرق قد ترفع من الإيرادات، تعرف بالتقليدية، كالتوسع في الرسوم، أو فرض ضرائب، أو خفض الدعم عن بعض السلع، أو وجود ثروات طبيعية يمكن تصديرها كالنفط تحقق إيرادات ضخمة في وقت سريع ولفترة زمنية طويلة؛ ما يعني أن استثمار جزء من الفوائض بأسلوب الصناديق السيادية المعروفة عالميا اعتُبر أحد الحلول الناجعة التي يمكن أن تحقق نتائج سريعة؛ إذ إن متوسط العائد لأغلب الصناديق السيادية عالميا يبلغ نحو 7 إلى 8 في المائة، بل إن بعضها تخطى حتى 10 في المائة بخلاف النمو الرأسمالي لقيمها، من خلال تنوع استثماراتها جغرافيا، وأيضا بأنشطة متعددة.
ولم يُسجَّل تاريخيا أي فشل لفكرة الصناديق السيادية، فقد تأسس بعضها بعشرات المليارات من الدولارات، وفاقت أحجامها مئات المليارات على مدى عشرين إلى خمس وعشرين سنة مضت، كالصندوق السيادي النرويجي، وكذلك صندوق أبوظبي.
الدول التي لديها صندوق سيادي معلن لها كيانات مستقلة لتلك الصناديق
وأشار العنقري إلى تصريح وزير المالية بمناسبة صدور الميزانية العامة حول فكرة الصندوق السيادي، حيث أكد في رده أن استثمار احتياطيات المملكة يُصنف عالميا كصندوق سيادي، معتبرا أن العائدات التي تتحقق جيدة، وأن طريقة الاستثمار الحالية أكثر أمانا من أي طرق أخرى، وتتناسب مع احتياجات المملكة وظروفها الاقتصادية, مبينا أن ما يثير الاهتمام بفكرة الصندوق السيادي هو اختلاف مرجعية ووضوح استثمار احتياطيات المملكة المالية عن بقية دول العالم التي تمتلك صناديق سيادية؛ إذ تدار بالمملكة من قِبل مؤسسة النقد، بينما يوجد كيانات مستقلة لتلك الصناديق في الدول التي لديها صندوق سيادي معلن، وقد يكون أمرا طبيعيا اختلاف مرجعية إدارة أصول الدول تبعا لأنظمتها ورؤيتها.
وأضاف: إلا أن التفكير في تأسيس صندوق سيادي لا يُعد فكرة سلبية إذا ما أُخذ بعين الاعتبار عوامل عدة، وأثبتت الوقائع فوائد هذه الصناديق، وخصوصا إذا تم دمج تعظيم الفائدة منه من خلال النظر لاستثمارات تحقق عائدا جيدا أفضل من السندات أو أي استثمارات ضعيفة العوائد، حتى ولو كانت مخاطرها محدودة جدا، وأُضيف لها الاستحواذ على حصص مؤثرة بالشركات أو الأصول التي يمكن الاستثمار بها لنقل صناعات أو تقنيات تحتاج إليها المملكة؛ وذلك لتنويع الاستثمارات محليا بإدخال مجالات نحتاج إلى توطينها لإيجاد فرص عمل، وكذلك ربطها بصناعات محلية لا تحقق كامل الفائدة المرجوة منها، كالصناعات البتروكيماوية للوصول لمنتجات نهائية، خصوصا أن خطة التنمية العاشرة ركزت على توسيع الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد، وتوسيع حجم الصناعات التحويلية.
الكاش هو الورقة الرابحة عند الفرص وهو الدرع الواقي
فيما يرى الكاتب الاقتصادي حمزة السالم أن المقصود بالصندوق السيادي هنا وعند الناس هو استثمارات الدولة في أصول تعود بأرباح أعلى من عوائد السندات الحكومية، كالأسهم والمشتقات والأصول المالية العقارية، كصناديق التطوير العقاري، مبينا أنه قد كثرت الأحاديث في تكرار رأي خطأ السعودية بعدم استثمار احتياطاتها الأجنبية في صندوق سيادي, وأضاف أن شركة أبل تملك من شبه الكاش ما يزيد على مائة وستين مليار دولار, وعلى الرغم من ذلك، فقد اقترضت سبعة عشر مليار دولار لكي توزع أرباحا على حملة الأسهم، فأسقطت بهذه الحركة الذكية سبعة عشر مليار دولار، من وعائها الضريبي، فأحدثت بفعلها هذا صجة عالمية يجب ألا تخفى على من وضع نفسه في موضع الخبير، فأكثر من الحديث عن وجوب قيام السعودية بإنشاء صندوق سيادي، ولكن لِمَ لم يتساءل هذا وذاك لماذا تحتفظ شركة أبل بهذا الاحتياطي العظيم من شبه الكاش، دون استثمارها في صناديق استثمارية؟، بل لِمَ لا يتساءل هذا وذاك عن تريليوني ونصف تريليون دولار تقريبا من شبيه الكاش -أي أربعة أضعاف احتياطيات السعودية تقريبا- حيث تحتفظ بها كبرى الشركات الأمريكية دون استثمارها في صناديق استثمارية. وكيف يسكت المساهمون عن المديرين التنفيذيين لهذه الشركات الذين عطلوا أموالهم دون استثمار.
واستشهد الدكتور حمزة بـ(بورن بفت) الذي يملك أعظم مقدار من الكاش في أمريكا ومستثمر بالأوراق المالية، فأغراضه ووسائله وخططه تختلف عن أغراض ووسائل وخطط احتفاظنا بشبيه الكاش, ولهذا استشهد السالم بشركات تنتج وتبني، فاحتفظت بالكاش، خوفا من ضياع فرصة تطوير أو شراء أو اندماج مع شركة منافسة، فتتغلب عليها شركات أخرى تنافسها في الصناعة، فالكاش هو الورقة الرابحة عند الفرص وهو الدرع الواقي عند الأزمات، فحاجة الكاش في الشركات الكبرى ليس من السهولة تدبرها اقتصاديا وتنافسيا، فمن باب أولى هو الحال في الدول.
الصندوق السيادي يجب أن تقيد قدرته على تحقيق عوائد أعلى
من جهته، أكد الكاتب الاقتصادي عبدالرحمن السلطان أن النقاش الحالي حول الحاجة إلى إنشاء صندوق سيادي لإدارة فوائض المملكة المالية، يرتكز على موضوع العائد الاستثماري ومدى مساهمة الصندوق في رفع هذا العائد، مقارنة بالعائد الذي يمكن تحقيقه من خلال إدارة الفوائض المالية بأسلوب تقليدي يرتكز على استثمارها بأدوات الدخل الثابت كسندات الخزانة الأمريكية والودائع البنكية, وأضاف «إلا أن رفع معدل العائد لا يمثِّل في حد ذاته مبررا كافيا لإنشاء مثل هذا الصندوق».
ولفت السلطان إلى أن هذا الأمر يأتي لسببين مهمين, أولهما: إن رفع العائد الاستثماري لا يرتبط بوجود الصندوق من عدمه، وإنما باستراتيجية الاستثمار المعتمدة، فيُمكن ألا يوجد صندوق سيادي، ومع ذلك يتم اعتماد استراتيجية استثمارية جريئة تسمح بتنوع الأدوات الاستثمارية التي يتم بها توظيف الفوائض المالية، كما يمكن أن يكون لدينا صندوق سيادي لكن يُفرض عليه استراتيجية استثمارية متحفظة لا تسمح له بتنويع أدواته الاستثمارية، فتُقيِّد قدرته على تحقيق عوائد أعلى.
وأضاف السلطان أن السبب الثاني هو أن ارتفاع معدل العائد يعني أيضا مخاطر أعلى، فالصندوق السيادي النرويجي حقق في عام 2013 عائدا استثماريا مرتفعا جدا بلغ 15.9 في المائة، لكنه أيضا حقق خسارة حادة في عام 2008 بلغت نسبتها 23.3 في المائة، أي أن النرويج في ذلك العام فقدت نحو ربع فوائضها المالية، وإن كانت النرويج ومع كل ما تملكه من كفاءات بشرية وحسن إدارة لم تستطع تجنب مثل هذه المخاطر، فإن هناك إمكانية كبيرة لإساءة استخدام المرونة الاستثمارية بصورة تعرِّض فوائضنا المالية لمخاطر غير مقبولة.