أمضيت زهاء الخمسة أشهر بالأرض الطيبة وفي رحاب مهبط الوحي، سياحة وخلوة روحانية منحتني مزيدًا من النقاء الإيماني وتغشتني موجة من السكينة وصفاء النفس فاطمأن قلبي وهدأ عقلي، فتذوقت بنهم متعة حلاوة الذكر واستطعمت يقينًا لذة طلاوة التدبر فزادني ذلك وهجًا وألقًا، فاغتسلت روحي من ضجيج الحياة بحلوها ومرها واطمأنت نفسي بابتعادي عن زخمها ومشاغلها، والحق أنه قد طاب لي المقام زائرًا لمدينة الرياض تلك الغادة الفاتنة التي يدثرها حياؤها الأخاذ، ويكفيها شرفًا وفخرًا استحياءها من الخالق جل وعلا، مظهرًا وانضباطًا، سلوكًا والتزامًا، فاللهم زدها رخاءً ورغدًا وهيئ لها من أمرها رشدًا وأفشي الأمن والأمان بين ربوعها وبارك فيها وفي من سكنها إلى يوم الدين، وسائر بلاد المسلمين.
ليس من رأى كمن سمع، فقد شاهدت بأم عيني كثيرًا من المرافق خلال وجودي، فراقني ما رأيت وبهرني المظهر العام، فالكتاب قد يبان من العنوان، بالأمس القريب بادر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله- بلفتة بارعة منه لرأب الصدع بين دولتين عربيتين شقيقتين قد فتن الشيطان بينهما هما مصر العزيزة وقطر الخير، وقد تجلت حكمته ونقاء سريرته لنبذ التشرذم والدعوة لوحدة الصف لأنه يدرك مدى التحديات التي تواجه الأمتين العربية والإسلامية، وقد سبقها بمبادرة جعلت الخليج على قلب رجل واحد، فلامست البسمة وجدان كل خليجي ومقيم، فقد أنعش الوفاق جسد دول الخليج وعادت البسمة لمواطنيه بفضل الله وبحنكة وحكمة الرجل، وقد استحق عن جدارة لقب رجل المهام الصعبة ويستحق أن يمنح جائزة نوبل للسلام، فقد حباه الله ببصيرة نافذة ووعيًا كاملاً بما يحاك للأمة، فما هي إلا أيام وأذاب الملك كل خلاف، هكذا يجب أن تكون القيادة وبمثل هؤلاء تجابه الأمة تحدياتها، اللهم ثبته على الحق وأعنه عليه وسائر حكام المسلمين.
أيام معدودة وسأغادر تراب هذه الأرض الطاهرة متوجهًا لوطني الأم، فأزجي شكري لله العلي القدير وللمملكة العربية السعودية وطنًا وقيادة وشعبًا ومقيمين، فلقد أراد الله أن أحل ضيفًا بينكم لعدة أشهر، فسعدت بذلك أيما سعادة وراقني وجودي بينكم لما رأيته من مسلك طيب وهمه ونشاط في احترام العمل والتأدب في الطرقات، كما أزجي شكري لصحيفة «الجزيرة» ولرئيس تحريرها الأستاذ الكبير خالد بن حمد المالك الذي بهرتني ثقافته واطلاعه وكذلك أدبه وتواضعه الجم، فشكري لك عزيزي خالد ولصحيفتك الغراء، ويمتد شكري لمنسوبي مستشفى دله بالرياض، درة المشافي فخامة ووسامة وتعاملاً، التي كان لها الفضل بعد الله في إعادة نعمة البصر لعيني اليمني على يد أحد الاستشاريين في طب العيون الدكتور محمد أيمن غاوجي السوري الأصل، الذي قد حباه الله بأنامل شافيه وابتسامة حانية، فجزيل شكري وعظيم امتناني لك ولطاقمك الجميل عزيزي الدكتور، وشكري لكل المصلين بمسجد البواردي بضاحية الشفاء بالرياض، يتقدمهم أمامهم الوقور ذو التلاوة الخاشعة والقلب الكبير «الشيخ فهد»، والمؤذن الوقور «راشد»، كما يمتد شكري لأسرتي من الإخوة السودانيين بالرياض، فجزيل شكري وعظيم امتناني للجميع، فلقد منحتموني قدرًا من السعادة. أسأل الله أن يسعدكم يوم لقائه، سعادة دائمة لا تبتئسوا بعدها أبدًا بإذن الله.
والله من وراء القصد..
- كاتب سوداني وخبير تربوي