من المتعارف عليه أنّ المؤسسات كلّها تتسم بطابع سياسي - وستبقى دوماً كذلك إلى حدّ ما. أمّا الأسباب الكامنة لذلك، فنفسيّة. أولاً، يشتمل العمل على التعاطي مع الناس، الأمر الذي يتطلّب إيجاد حلّ وسط بين ما يريدونه وما نريده نحن. وثانياً، يُعدُّ البشر مخلوقات عاطفية، توجّهها حاجات تنبع من اللاوعي ويطغى عليها عدم الاطمئنان.
بنتيجة ذلك، باتت سياسة المكتب تطمس الأدوار التنظيمية الرسمية وتطغى على الإجراءات التنظيميّة الحيوية، فباتت المهام البسيطة معقّدة ومضنية، وأصبحت المؤسسات غير مجدية. وتُعدُّ السياسة أيضاً مسؤولة عن جزء كبير من التوتّر والإنهاك المرتبطين بالعمل.
ولا بدّ من أن نقرّ بأن السياسة الخالية من أي قيود تؤدي إلى دمار تدريجيّ للمؤسسة. وبما أنّ المؤسسات بمعظمها ترقّي أفراداً يتمتّعون بفطنة سياسيّة، يميل المديرون وكبار المسؤولين التنفيذيين مواصلة السياسة المعتمدة في المكتب. بيد أنّ الموظّفين بغالبيّتهم يرون في هذه السياسة إشارة إلى وجود تفاوت بين ما ينبغي فعله وما يتمّ تحقيقه فعلياً، فتُحبَط الجهود التي يبذلونها، وتنهار عزيمتهم، ويتحدون ضدّ رئيسهم أو ضدّ الإدارة العليا... وبالتالي، لا تكون الشركة في وضع تُحسَد عليه.
وفي الشركات التي تتّسم بمشاكل أقل، يتحكّم الرؤساء بمصادر التوتّر داخل المجموعات، سعياً منهم إلى تعزيز أداء فريق العمل وفعاليّة المؤسسة، مع الإشارة إلى أنّ أفضل المديرين يتولّون الإدارة بطريقة تحاكي سلوكهم عموماً، وإلى أنّ الأشخاص الذين لا ينصاعون إلى سياسة معيّنة يُظهرون مستويات توافق عالية بين ما يقولونه وما يفعلونه، فيكافئون الآخرين على ما يُطلَب منهم عمله، ويُخضعونهم للمساءلة متى تعذّر عليهم تحقيق النتائج المرجوة. وكذلك، يركزّ خيرة المسؤولين على المهارات الاجتماعيّة، والذكاء العاطفي والحدس. ويتم توجيههم ليعطوا انطباعاً بالكفاءة، والشفافيّة، والود والغيريّة. وفي سياق متّصل، يتجنّبون تحريض الموظّفين على بعضهم البعض، ويركّزون بدلاً من ذلك على تخطّي منافسي الشركة في أدائهم، ويفعلون ذلك عن طريق صياغة مهمّة ذات مغزى - وتحديد رؤية تترك أصداء وتعطي الموظّفين دافعاً لتحقيق هدف جماعي، يسمح لفريق العمل بمواصلة التركيز على التغلّب على المنافسين، بدلاً من التغلّب على بعضهم البعض.
بقلم: توماس تشامورو بريموزيتش - الدكتور توماس تشامورو بريموزيتش هو نائب رئيس البحوث والابتكار في شركة «هوغان أسيسمنتسيستمز»، ومؤلّف كتاب «الثقة».