أ. د. حمد بن ناصر الدخيِّل:
اطلعت في صحيفة الجزيرة (صفحة وراق الجزيرة)، في عددها الصادر يوم الأحد 22-2-1436هـ، الموافق 14-12-2014م، على مقالة عنوانها (ديار جرير الوشم وليست غرب اليمامة)، وهي رَدٌّ على بعض ما ورد في محاضرة (من تاريخ المجمعة غير المدون) التي نشرتها صحيفة الجزيرة في عددها (15403)، الصادر يوم الأحد 8-2-1436هـ، الموافق 30-11-2014م. نُشِرت المقالة غُفْلاً من اسم كاتبها، ثم أعيد نشرها في العدد (15424) الصادر يوم الأحد 29-2-1436هـ الموافق 21-12-2014م، وذكر اسم كاتبها د. فضل العماري، وحذف من النشرة الأخيرة الجزء المتعلق بنقد محمد بن عبد العزيز الفيصل، ومحمد بن عبدالله الخيال في بعض ما نشراه عن المواضع، وأبقى رَدَّه على بعض ما ورد في المحاضرة المذكورة. ولكي لا تتداخل المعلومات وتتشعب سأجعل ردي في نِقَاطٍ محددة.
1- أستهل حديثي بالوقوف عند العنوان الذي صدّر به مقالته، وهو (ديار جرير الوشم وليست غرب اليمامة) لم يجر في بحثي لفظ (غرب اليمامة) إطلاقاً؛ حتى يتخذ منه مجالاً للنفي، ولم أقل: إن ديار جرير في غرب اليمامة حتى ينفي ذلك. ويبدو أن الدكتور الفاضل اشتبهت عليه جهات اليمامة، ووهم حين كتب هذا العنوان. ويستقيم بهذه الصيغة (ديار جرير الوشم وليست شرق اليمامة)؛ لأن حديثي منصب على شرق العارض (طويق) الذي يجري فيه وادي الوَدَاء (المشقر) بالكُرْمة. وقد حدد لنا عمرو بن كلثوم التغلبي شرق اليمامة وغربها قبل أن يكتب أي باحث عربي حرفاً في جغرافية الجزيرة العربية وذلك في بيته المشهور:
فأعرضت اليمامةُ واشمخرَّت
كأسيافٍ بأيدي مُصْلتينا
فجبل العارض (طويق) على امتداده من الشمال إلى الجنوب هو الحد الفاصل بين شرق اليمامة وغربها؛ فالوشم. يقع غرب اليمامة؛ لأنه في الجهة الغربية من جبل العارض، وإقليم سدير وكرمته يقعان شرق اليمامة؛ لأنهما في شرق جبل طويق.
2- منح د. العماري محمد بن عبدالعزيز الفيصل بجرة قلم شهادة الدكتوراه، ولم يكتفِ بذلك، بل منحه أيضاً درجة الأستاذية، ولا أدري من أين أخذ ذلك؛ فمحمد بن عبدالعزيز الفيصل حصل على الماجستير، وسجل بحثه للدكتوراه، وهو على رتبة محاضر في قسم الأدب في كلية اللغة العربية بالرياض.
3- ذكر د. العماري أن محاضرتي نشرت في الجزيرة في 6-2-1436هـ، والصحيح أنها نشرت في 8-2-1436هـ.
4- بعد أن أورد كلام العلامة البلداني الأستاذ عبدالله الشايع الذي استشهدتُ به قال: «وهنا نأتي إلى اكتشاف الأستاذ الشايع؛ إذ يتبين من طريقة وصف الشايع الطريقة التي يتبعها في قياساته وتحديداته، ورحلاته، واستنباطاته. وهي طريقة غيرُ علمية، وإنما تعتمد على الحدس، والظن، والاجتهاد. وهو ما يدفع الآخرين إلى التورط معه في مثل هذه الاكتشافات وإطلاق التسميات».
لي على هذه العبارة ثلاث ملحوظات تتعلق باللغة هي:
أ- أن الكاتب كرر كلمة (طريقة) ثلاث مرات في ثلاثة أسطر، ولا مسوغ لهذا التكرار؛ ففي اللغة العربية سعة ومندوحة.
ب- كرر اسم الشايع باسمه بعد ذكره بخمس كلمات وكان في مكنته أن يقول تلافياً للتكرار «إذ يتبين من طريقة وصفه المنهج الذي يتبعه في أقيسته...» بحلول الضمير محل الاسم الظاهر، وتكرار الاسم الظاهر في حين يغني عنه الضمير يضعف الأسلوب، إلا إذا دعت إلى تكراره نكتة بلاغية.
ج- عبر بـ(إنما)، والمقام هنا مقام تعليل، فهو يريد أن يذكر السبب في كون طريقته غير علمية، ولذلك توضع هنا (لأنها) بدلاً من (وإنما)، ويكون ما قبلها فاصلة منقوطة، فاللام هنا للتعليل دخلت على أن المؤكدة. أما وصف د. العماري لطريقة الأستاذ الشايع في تحقيق الأماكن أنها غير علمية، فالذي أعرفه عنه أنه لا يقتعد كرسي مكتبه، وينقل من كتب الوراقين كيفما اتفق له ذلك، دون تمحيص أو تدقيق. لم يخط حرفاً عن موضع إلا بعد أن اطلع على ما كتب عنه في معجمات البلدان القديمة والحديثة، ودرسها دراسة مقوم ناقد، وضاهى بعضها ببعض، ثم طبق ما اطلع عليه ودرسه على المكان، مستعيناً بخصائص المكان، وقياس المسافات بينه وبين الأمكنة التي تجاوره، وبالأعلام التي وضعت على طرق الحج، وهي كثيرة، وفي هذا السبيل قام بعدد وافر من الرحلات نجدها مفصلة في كتبه وبحوثه المنشورة. ثم يأتي من يقول -دون أن يحسب لكلامه حساباً-: إن الطريقة التي يتبعها في قياساته وتحديداته ورحلاته واستنباطاته طريقة غير علمية، لماذا؟.. لأنها تعتمد على الحدس والظن والاجتهاد.
ثم هل يعاب المرء على الاجتهاد، وهل يذم إذا اجتهد وسعه؟.. لا أدري ماذا تقصد بالعلمية؟! كَتَبَ الأصفهاني، والهمداني، والبكري، وياقوت ما كتبوا عن الأماكن في نجد نقلاً من الكتب، وأتى محمد البليهد، وحمد الجاسر، وعبدالله بن خميس، وسعد بن جنيدل، ومحمد العبودي فجمعوا بين النقل والتطبيق، وقام كل واحدٍ منهم برحلات صحراوية كثيرة حققت قدراً كبيراً من النجاح.
وأتى عبدالله الشايع يتابع المسيرة مستفيداً من جميع التجارب والمعلومات التي خلفها الرواد السابقون من قدامى ومحدثين. ومكثه في الصحارى يدرس الأماكن، ويحقق المواضع والمنازل أكثر من مكثه في منزله، بين أسرته. ومن أهم ما أتحفنا به أنه أثبت أن سوق حجر اليمامة هو سوق المقيبرة الآن في الرياض. والأصفهاني يذكر في بلاد العرب ص 361 أن منفوحة من سوق حَجْر على ميلين.
وهو الوحيد الذي خلف حمد الجاسر وزملائه من رواد تحقيق الأمكنة والديار، وقد شهد له الجميع بذلك، ومنهم العلامة الموسوعي أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري، فيما قرأتُ له منذ سنوات. والعَلَم الذي يذم د. العماري طريقته يباشر الآن الوقوف على مواضع غزوات الرسول -صلى الله عليه وسلم- وسراياه، وهو عمل بلداني تاريخي جليل، يستحق التشجيع والإشادة، وليتني أشاركه في هذا العمل الجليل.
5- مَنْ له أدنى معرفة بأدب العرب يدرك أن جريراً ولد في أثيفية إحدى بلدان الوشم الواقعة غرب اليمامة، وأنه كان يرعى الغنم في ربوعها وما يحيط بها وهو صغير. ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هل أمضى جرير حياته في بلدته من أرض الوشم؟ لو بقي كغيره من الأعراب الشعراء لما عرف شعره، ولكان من الشعراء المغموري، وفات على الرواة أن يدونوا شعره، ولكن كانت له ولشعره حظوة حينما ألمّ بالبصرة، وألقى كثيراً من قصائده في سوق المربد، وزار الأمويين في الشام مادحاً مُنْتَجِعاً، وكان له منزل في حَجْر اليمامة (الرياض)، ومن أخباره أنه نزل به ضيف فيها فذبح له كبشاً، على الرغم مما كان يوصف به من إمساك اليد. والحديث هنا يطول. وأود أن أنبه إلى أن د. العماري ذكر بلدة (أثيفية) مرتين في موضع واحد بهذا اللفظ، وكان مراده أن يدلنا في الكلمة الأخرى على الاسم الذي تعرف به حالياً وهو (أثيثية).
وعلى الرغم من ولادة جرير في غرب اليمامة فإنه كان ملمّاً بديار قومه بني تميم الذين كانوا ينزلون في سدير والوشم والدهناء والصَّمَّان، وامتدت منازلهم إلى جنوب العراق حيث كاظمة التي ولد فيها الفرزدق خصم جرير. أما الوَدَاءُ فلا أشك مطلقاً أنه وادي المجمعة الكبير المعروف بالمشقر اعتماداً على قول محمد بن حبيب البغدادي: أن الوداء وادٍ أعلاه لبني العَدَوية والتيم، وأسفله لبني كليب وضبَّة (ديوان جرير، شرح محمد بن حبيب : 1/110)، وأكد ذلك ياقوت الحموي، معجم البلدان (برقة الوداء)، قال: والوَدَاءُ: وادٍ أعلاه لبني العدوية والتيم، وأسفله لبني كليب وضبَّة». وأورد أبيات جرير الميمية. وبنو العدوية من بني تميم، وكانوا يسكنون بلدة أشي في أعلى وادي الوداء (المشقر) المعروفة بهذا الاسم حتى الآن. قال الأصفهاني (بلاد العرب 260): «ثم أشيّ، وهو وادٍ للأحمال من بَلْعَدَويَّة»، وانظر مادة (أشي) في معجم البلدان، ففيه توسع وتفصيل. وللشاعر الأموي المرار بن منقذ التميمي العدوي قصيدة ميمية تتكون من ثلاثة وأربعين بيتاً يحن فيها إلى بلده أشي، ويثني على أهلها، حينما كان متغرباً في صنعاء، أوردها أبو تمام في ديوان الحماسة. وكيف غابت هذه النصوص عن د. فضل العماري ولاسيما قول محمد بن حبيب -وهو من الرواة المتقدمين الذي يؤخذ بقولهم- الذي أثبت فيه أن أعلى وادي الوداء لبني العدوية، فخد من تميم، يسكنون وادي أشي الذي يصب سيله في وادي المشقر (الوداء) بمسافة قريبة.
6- لم يناقش د. العماري لفظة (الوَدَاء) في قول جرير:
هل حُلَّت الوَدَّاءُ بعد محلِّنا
أو أبكرُ البكراتِ أو تِعْشَارُ
وهذا تسليم منه بأن اللفظة صحيحة. ولكنه تعرض لها في قول عمر بن لجأ بن حُدَير التيمي من تيم الرِّباب يخاطب جريراً:
أَلَمْ تُلْمِمْ على الطَّلَلِ المُحِيلِ
بغربيِّ الأبارقِ من حَقِيلِ!
وبالوَدَّاءِ يومَ غَزَوْتَ تيماً
سَقَوْكَ بمَشْرَبِ الداءِ الوبيلِ
ذكر د. العماري أن حقيل وادٍ معروف شمال شرق الدوادمي. ويضيف قائلاً: «وعليه الصحيح: وبناء على ذلك، أو وبناء على ما ذكرت، فإن ذات العلندى هي التي يحددها ابن جنيدل عالية نجد ج 1 ص 85 على أنها وادٍ يقع شمال بلدة الشعراء، شرق ثهلان، يبعد عن الشعراء 15 كم تقريباً.. يبعد عن الدوادمي غرباً 25 كم».
وما ذكره ابن جنيدل هو أبو علندى، وليس ذا العلندي كما في بيتي جرير المتقدمين، ولم يتحدث عن الأبارق التي تحتل هي وحَقيل موضعاً واحداً؛ لأن ابن جنيدل لم يفردها بمادة، ولكنه فصل القول فيها وفي حقيل، قال ابن جنيدل: «حَقِيل: ... جبل غير كبير ملتف حول بعضه قمته مستوية، ولونه أصفر، يقع في ناحية صفراء السر الجنوبية الغربية، إذا جُزْت وادي القرنة مع طريق السيارات رأيته ببصرك منقطعاً من قُف الصحراء، ويبعد عن الدوادمي شرقاً ثلاثة وأربعين كيلاً، وهو معروف بهذا الاسم قديماً وحديثاً». ثم يضيف: «الواقع أن ما ذكره ياقوت عن ثعلب في وصف حقيل وذي الأبارق ينطبق على الوصف الجغرافي لجبل حقيل وماحوله، فهو منقطع من صفراء السر غرباً وواقع في وسط بُرَق الثندوة، وهي برق واسعة تمتد إلى جانب صفراء السر من الغرب، تسمى الثندوة، والثنادي...». عالية نجد، الجزء الأول، ص 399 ـ 401. ويستشهد د. العماري على ذات العلندى كما يسميها ببيت الراعي النميري (ت 93هـ) الذي أورده هكذا:
تحملن حتى قلت (كسن) بوارحاً
بذات العَلَنْدَى حيث نام المفاج
قال: «وكسن: تصحيف، صوابه: كن».
لا أدري من أين أتى بهذا التصحيح الخاطئ، فالكلمتان بعيدتان عن الصواب. وكلمة (كسن) وردت في شعره ص 141 الذي حققه: نوري حمودي القيسي وهلال ناجي. وصحة الكلمة (لسْن) طبقاً لرواية ياقوت في معجم البلدان (العلندى)، والمحكم 2/13، ومعجم مقاييس اللغة 4/476 ومجمل اللغة 4/79، وديوان الراعي النميري ص 111، تحقيق: راينهرت فايبرت، والمفاج صحتها (المُفَاجِرُ).
ود. العماري يعد التحريف تصحيفاً، ولا يفرق بين المصطلحين؛ فالتصحيف أن يكون الاختلاف بين الكلمتين في النقط مثل: (رجل وحل رخل) و(ندر ونذر)، والتحريف أن يكون الاختلاف بين الكلمتين في الحروف مثل (كسن ولسن).
وصحة البيت (من الوافر):
تَحَمَّلْنَ حتى قُلْتُ: لَسْنَ بوارحاً
بذاتِ العَلَنْدى حيثُ نَامَ المُفَاجِرُ
المُفَاجر: اسم فاعل من أفجَر إذا دخل في وقت الفجر.
ثم يضيف د. العماري «والوداء هذه التي بالوشم التي جادت مصحفة في قول ابن لجأ، شعره ص 54:
طَرَدْنَاهُمْ من الأَوْدَاةِ حَتَّى
حَمَلْنَاهُمْ على نَقْوى حِدَابَا».
وضبط الشعر من عندي، لأن د. العماري لا أراه يعنى بضبط الشعر، ولو اهتم بضبطه لما وقع في هذه التحريفات. وهنا أسأل د. فضل ما دليلك على أن الوَدَاء في الوشم؟ وسؤال آخر ما دليلك أيضاً على أن الكلمة جاءت مصحفة (الصحيح محرفة) في قول ابن لجأ؟ وردي على ذلك فيما يأتي:
(أ) حين عطف ابن لجأ الودّاء على حقيل لا يلزم من هذا العطف أن يكون الوداء قريباً من حقيل؛ لأن العرب تجمع الشيء وضده، وتجمع الشيء ووفقه، وتجمع بين الشيئين أو الموضعيْن المتباعدين. وبيت ابن لجأ يشعر بهذا التباعد بين حَقيل والوداء.
(ب) من منازل تيم قوم عمر بن لجأ وادي الكلب، المعروف الآن في المجمعة بوادي الكلبي، وهو من الأودية التي تصب في وادي الوَدَاء (المشقر)، ووادي الخيس الذي ينتهي سيله أيضاً إلى هذا الوادي الكبير الفحل الذي تتدافع إليه سيولُ أودية عدة. قال الأصفهاني في بلاد العرب -وهو يعدد منازل اليمامة ومواضعها ومناهلها وأوديتها- ص 260: «ثم وادي الكلب، وهو وادٍ فيه ماءٌ للتيْم، وقَلْتُ آخرُ وهو لهم أيضاً».
علق حمد الجاسر على وادي الكَلْب بقوله: «وهو وادي المجمعة، ويعرف بوادي الكلبي». قلت: تقع عليه مزارع أم الشري، وهي معروفة لأهل المجمعة. وقال الأصفهاني في ص 256 «... ثم حرمة، ثم الخيس، ثم الطرقين، ثم المظلومة، فكل هذه المياه للتيْم، وهي كلُّها بالكُرْمَة».
قال حمد الجاسر: «الخيس: قرية معروفة من قرى سدير». والعبارة الدقيقة أن يقال: «قرية معروفة من قرى المجمعة تقع عنها في الشمال الغربي بنحو 15 كيلاً».
وقال الأصفهاني أيضاً في ص 253 وهو يعدد منازل بني تميم في إقليم سدير: «والفَقْءُ بالكُرْمَة، والكُرْمَةُ باليمامة، ويجاورهم في الفَقءِ حِمَّان، وعُكْل، وضبة وعَدِيّ، وتَيْم، وغيرُهُمْ». ونفهم من هذه الأقوال أن المجمعة وما حولها كانت أيضاً من منازل تيم ومناهلها، وتيم معدودة من الرِّباب.
(ج) الأوداة التي وردت في بيت ابن لجأ موضع بعيد عن سدير والوشم، تقع في ديار كلب شمالي الجزيرة العربية. قال نصر: «الأوداة بالهاء: مجتمع أودية بين الكوفة والشام: وأوداة قُلُبٌ بها أجاردُ، وأوداة كلب: أودية كثيرة تنسل من الملحاء، وهي رابية مستطيلة ما شرّق منها فهو الأوداة، وما غَرّب منها فهو البياض».
ويذكر الهجري أن الأوداة لغة طيء في الأودية. قال حمد الجاسر (المعجم الجغرافي: شمال المملكة القسم الأول ص 149: «ويطلق على الأوداة الآن اسم الوديان أو الأودية السبعة، وهي أودية تنحدر من المرتفعات الواقعة شمال الحماد، متجهة صوب الشرق حتى تفيض في سهول العراق الغربية، ومن أشهرها وادي المِرَاء، وحامر (أحامر)، وعرعر، وأبو القور». والشاعر يذكر مواضع كثيرة في غير بلاده.
7- يرى د. العماري أن تِعشار في ناحية الوشم إلى جانب البكرات حسب تحديد ابن بليهد، فهو يريد أن ينقل جميع هذه الأماكن إلى الوشم بجرة قلم، دون أدلة يعتمدعليها. وتعشار التي أقصِدها هي التي تعرف الآن بالشحمة، والعمدة في ذلك قول الأصفهاني في بلاد العرب ص: 299 - 320، أو الأصمعي في رواية أن هذا الكتاب له: «وإن أردْتَ وِرْدَ تَمَر وتُمَيْر وردتهما، وهما ماءانِ لعديٍّ والتيم، عليهما نخيل ومياه بين أجبال، ويُرَى أحدهما من الآخر، وبين تلك الجبال خَبْرَاوَات من السدر، وإلاّ مضيتَ فوردتَ مُبَايَض، وهو ماء لضبة، وهو عن يمين الوشم، وإن اتقيتَ اللصوص على وِرْدِ مُبَايض فإن عن يمينه بأسفلِ واديه حِسياً فماً أو فمين يُسَمّى الذُّوَيْبة، ثم تجوز مبايض -وبين مبايض وحَجْر أربع ليال منطلقات- فأول ماءٍ ترده تِعشار، وهو لضبة في سَنَدِ جَبَل، وحوله أبارقُ من رَمْلٍ، مخالطه جبال».
كيف غاب هذا النص الصريح عن كل من كتب عن تِعشار، قال البكري في معجم ما استعجم ص 1075 «قُشاوة: موضع متصل بنقا الحَسَن» وقال في ص 1319: «نَقَا الحَسَنِ قد تقدم ذكره في رسم تِعْشَار، وفي حرف الحاء، وفيه قتل بسطامُ بن قيس، قتله عاصم بن خليفة بن مَعْقِل بن صُباح الضبيّ...». ونقا الحَسَن أحد أنقية الدهناء التي تشرف على تعشار. انظر نقائض جرير والفرزدق ص 233 وما بعدها. والأوصاف التي ذكرها المتقدمون لتعشار تتفق مع أوصاف الأستاذ العلامة البلداني عبدالله الشايع في كتابه: الطريق التجاري من حجر اليمامة إلى الكوفة ص 77 - 104. والبكرات التي ذكرها جرير في شعره حسب وصف الأقدمين والمحدثين ليست بعيدة عن تِعشار المعروفة بالشَحمة، وبعيدة جدّاً عن أم الجماجم في رأي من يرى مُخْطِئاً أنها تعشار.
وأخلص إلى القول: بأن الوداء هو وادي المشقر في المجمعة، وبرقة الوداء معروفة باسمها وموقعها حتى الآن. وأن أم الجماجم حافظت على اسمها القديم؛ لأن حجارة آبارها تشبه الجماجم، وأن الشحمة المعروفة تنطبق أوصافها على تعشار. وسدير والوشم كلاهما من اليمامة. وتعريف ناصر الرشيد في تعليقه على شعر يزيد بن الطثرية بأن الوشم بين العالية واليمامة ليس دقيقاً؛ لأنه أخرجه بهذا التعريف من اليمامة. أما بعد:
فأشكر د. فضل العماري على أن أتاح لي فرصة مداعبته في هذه الآراء والأقوال، وأدرك أن كُلاًّ منا يهدف إلى جلاء الحقيقة، وتحري الصواب، ونشدان الموضوعية فيما يرى ويقول. والله المستعان.