العطاء خلق كريم من أسمى المراتب التي رغبت وحثَّت عليها مختلف الديانات والثقافات، ومعناه أن يقدم الإنسان حاجة غيره على حاجته، على الرغم من احتياجه لها، كما يسعى لمساعدة الآخرين من دون مقابل، ولو بالكلمة الطيبة.
ثقافة العطاء متى ما كانت منتشرة في مجتمع ما، دلّ ذلك على الرقي الفكري والرقي الإنساني لذلك المجتمع:
وأحسن شيء في الورى وجهُ مُحسنٍ
وأيمن كفٍّ فيهمُ كفُّ مُنعِمِ
ما أجمل أن يتصف المرء والمجتمع بالإيثار والعطاء وحب الخير للآخرين، وما أقبح أن يتصف بالأثرة والأنانية وحب النفس.
فبذل المال لمساعدة أبناء الوطن، فالأقربون أولى بالمعروف، وذلك حفظاً للمودة، ووصلاً للرحم، وتعميقًا للمحبة، تكون البداية من قرابة الدم ثم قرابة المودة، ثم قرابة الجوار ثم الأبعد فالأبعد.
إنني هنا أورد مثالاً كأن يعمل كل من موقعه، وضعت أسرتي صندوقاً صغيراً في البيت، وألزمَ أهلي حتى أبناء إخوتي الصغار، أن يتبرعوا كل أسبوع بأي مبلغ ممكن حتى لو كان زهيداً، فعلى كل واحد منهم أن يضع ما قدره الله عليه كل أسبوع وبدون علم الآخرين، أي أن يكون ما تبرع به بينه وبين ربه فقط، ثم إننا نقوم بفتحها كل نهاية شهر أو شهرين، ويوجهها والدايّ لجهات هي محتاجة للتبرع.. مثلاً: شراء مواد غذائية أو كسوة شتاء، أو جمعيات رعاية الأسر الفقيرة أو جمعيات رعاية الأيتام، وهكذا.
وبالرغم من أن المبالغ تكون بسيطة إلا أن كل شخص لو قام بهذا في أسرته، فإن هذه المبالغ البسيطة تجتمع؛ لتصبح ذات نفع كبير، فكما تقول الحكمة العربية (الذود للذود إبل) وقطرة مع قطرة تسيل بها وديان.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سألتم الحوائج فاسألوا العرب».. يقول الشيخ سالم السيابي - رحمه الله -، وفيه: (لأنها أي العرب تعظم لثلاث خصال: كرم أحسابها، واستحياء بعضها من بعض، والمواساة لله، أي لأنها خصت بهذا دون باقي الأمم).
إن النبتة أصلها بذرة، ثم تراها تكبر لتغدو شجرة ذات ثمر يانع، ثم الثمرة تعطي بذرة أخرى وهكذا حتى تغدو غابة ذات ظل وثمر.
وتذكَّر أن تعطي ريالاً أو نصف ريال في الشهر خير من أن لا تعطي شيئاً، فلا تحقرن من المعروف شيئاً.
وأخيراً: إن ديننا يحث على ثقافة العطاء، والعطاء يشبه تعاون الناس في تشييد بناء ما، فإن صار كل شخص يحمل طوبة ليضعها بشكل صحيح ويأتي آخر بنفس الشيء، وهكذا فإننا في المحصلة سنصل إلى بناء قوي، ونجد أنفسنا قد أنجزناه في وقت قياسي.
نحن أمة تحمل الرفق والرحمة في قلبها، والعطاء دليل عظيم على الرحمة والرفق، دمتم بحـوراً للخير والعطاء.