آنا بالاسيو:
في تقييم الأحداث والاتجاهات العالمية في عام 2014، من المرجح أن تحتل كلمات مثل الفوضى، والاضطرابات، والتفكك، مكانة بارزة. ولكن كلمة «ناعمة» لابد أن تظهر أيضا. والواقع أن عام 2014 تميز بالصعود المستمر للأدوات «الناعمة» في مواجهة التحديات العالمية: التعهدات، والقرارات، والتنظيم الذاتي، وخطط العمل المشتركة، والاتفاقات الشفهية. تُرى هل انتهت أيام تنظيم العلاقات الدولية وفقاً للقانون التقليدي الرسمي؟
لا شك أن هذا التحول نحو القانون «الناعم» يحدث أيضاً في السياقات المحلية. ففي الولايات المتحدة، استخدم الرئيس باراك أوباما سلطته التنفيذية لتجنب الكونجرس بشأن إصلاح الهجرة. وعلى المستوى فوق الوطني، تلاحق المفوضية الأوروبية الجديدة هدف «التنظيم الأفضل» باستخدام أقل قدر ممكن من التشريع الرسمي، وتركز بدلاً من ذلك على التوصيات ومدونات السلوك والمبادئ التوجيهية.
ولكن تآكل القانون التقليدي يظل أكثر وضوحاً في الساحة الدولية. فقد أصبحت قرارات مجموعة العشرين غير رسمية على نحو متزايد، في حين استعين بهيئات تنظيمية خاصة لتولي سلطة التشريع، مثل لجنة بازل ومجلس المعايير المحاسبية الدولية.
وعلاوة على ذلك، أصبح عدد متزايد من الترتيبات يُطرَح بسلطة إنفاذ ضئيلة أو معدومة. ومن بين الأمثلة الحديثة على هذا كان اتفاق المناخ في نوفمبر/ تشرين الثاني بين أوباما والرئيس الصيني شي جين بينج، والذي حظي بقدر كبير من الاحتفاء، وخطة العمل المشتركة المؤقتة بين إيران ومحاوريها الدوليين بشأن برنامجها النووي (والتي تتألف في الأساس من بيانين ثنائيين يربط بينهما تصريح صحفي).
وقد تشكل مثل هذه الاتفاقات تطورات إيجابية، ولكنها ليست بديلاً للقواعد الدولية الرسمية القابلة للتنفيذ التي تحكم السلوك. والواقع أن الدول، برغم تحفظها بشأن إلزامها رسميا بشروط محددة سلفا، تدرك هذه الحقيقة. ومن تنظيم التجارة ومنع الانتشار النووي إلى تغير المناخ والحدود البحرية، بات بوسعنا أن نستشعر توقاً إلى الوضوح واليقين اللذين لا يمكن توفيرهما إلا من خلال القانون «الصارم».
ما الذي يمنع المجتمع الدولي إذن من وضع قواعد صارمة؟ الواقع أن المتاعب المطولة التي واجهت جولة الدوحة من محادثات التجارة العالمية تقدم لنا بعض القرائن والدلالات.
تتلخص إحدى المشاكل الرئيسية هنا في الارتفاع السريع لعدد الجهات الفاعلة. ذلك أن توصل 193 دولة إلى الاتفاق على أي شيء أصعب كثيراً من تحقيق هذه الغاية بين الدول الإحدى والخمسين الأصلية الموقعة على معاهدات ما بعد الحرب العالمية الثانية التي رسخت النظام الدولي المعاصر.
وتمتد جذور هذا التحدي إلى تطورين رئيسيين: انتشار الدول في مرحلة ما بعد الاستعمار وتفكك الاتحاد السوفييتي، وتآكل وتفرق سيادة الدولة. فلم تعد صياغة الاتفاقيات وظيفة وزراء الخارجية أو رؤساء الدول فحسب؛ فالآن بات من الضروري أن تشارك في هذه العملية منظمات المجتمع المدني، والخبراء، والمنظمات الدولية، والقطاع الخاص ـ وكل من هذه الجهات لديها أجندة خاصة. وقد يساعد هذا في إثراء المفاوضات؛ ولكنه يعمل أيضاً على تعقيد وإطالة أمد العملية إلى حد كبير.
وفي هذا السياق، فإن ضمان بقاء عملية وضع القواعد الرسمية خياراً قابلاً للتطبيق على المستوى الدولي سوف يتطلب بعض التعديلات. ومن بين الحلول المحتملة أن يتم تمكين الممثلين الإقليميين من التفاوض بالنيابة عن مجموعات من الدول. ويتلخص حل آخر في العمل من خلال المعاهدات التي تشمل عدداً أقل من الجهات الفاعلة لبناء اتفاقات أوسع نطاقا. وفي عالم التجارة الدولية، على سبيل المثال، من الممكن أن تخدم الاتفاقيات الإقليمية الكبرى مثل الشراكة عبر المحيط الهادئ وشراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي كجهات واضعة للقواعد بحكم الأمر الواقع، وهو ما من شأنه أن يسهل التوصل إلى اتفاق عالمي.
وعلى نحو مماثل، من الممكن أن يعمل التوصل إلى اتفاق قابل للتنفيذ بشأن برنامج إيران النووي على تشجيع التقدم في إطار مؤتمر مراجعة معاهدة عدم الانتشار النووي هذا الربيع نحو تأسيس التزامات صارمة بتنفيذ بنود العمل المتفق عليها في جولة 2010 ــ وخاصة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. وما لم يتم تشريب اتفاقيات عدم الانتشار النووي بالشرعية التقليدية، فسوف تظل غير كافية لتحقيق هدفها المتمثل في جعل العالم مكاناً أكثر أمانا.
وسوف يقدم هذا العام فرصة أخرى بالغة الأهمية لإعادة تأسيس الشرعية الصارمة في المفاوضات الدولية: مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في باريس في ديسمبر/كانون الأول. ومن المعتقد على نطاق واسع أن هذا المؤتمر ربما يمثل فرصة العالم الأخيرة للحد من ارتفاع درجة الحرارة بما يتجاوز درجتين مئويتين أعلى من مستويات ما قبل عصر الصناعة ــ وهي العتبة التي يشكل تجاوزها مخاطرة بتحول تغير المناخ إلى كارثة حقيقية.
ولتحقيق النجاح، لا ينبغي لمؤتمر باريس أن يبدو شبيهاً من قريب أو بعيد بالاجتماع الكارثي الذي استضافته كوبنهاجن قبل ست سنوات. ويتعين على الأطراف المتفاوضة أن تتحرك خارج نطاق «المساهمات المعتزمة المحددة وطنيا» الناعمة المتفق عليها في ليما في الشهر الماضي، لتأسيس التزامات ملزمة قانونا.
وسوف تكون مثل هذه النتيجة نعمة كبرى، ليس فقط بالنسبة للجهود الرامية إلى الحد من تغير المناخ بل وأيضاً لمعالجة التحديات العالمية الأخرى. إن التوصل إلى اتفاق قابل للتنفيذ بشأن تغير المناخ من شأنه أن يثبت إمكانية التوصل إلى اتفاق قانوني صارم في أيامنا هذا برغم صعوبة هذا الأمر. ولا ينبغي لزعماء العالم أن يقبلوا بأقل من هذا.
الحق أن الأساليب الأكثر مرونة في التعامل مع المفاوضات الدولية ربما يسرت التوصل إلى صفقات «بالغة الأهمية» في عام 2014. ولكن في غياب آليات قوية لفرض الامتثال، فإن تأثير مثل هذه الاتفاقيات قد يكون ضئيلاً للغاية. والواقع أن إيجاد السبل لتكييف العمليات القانونية الرسمية مع البيئة العالمية المعقدة اليوم يشكل تحدياً رئيسياً في عام 2015. ومن الواضح أن زعماء العالم يحتاجون إلى قصة نجاح لتحفيزهم واستنهاضهم.