انهمكت في رسم لوحة بغرفة الفن، لم أشعر بجرس بدء الحصة فمرت دقائق، خرجت فرأيت طالباتي يقفن أمام غرفتي الصفية، في أقصى الدور المقابل لمكاني، أسرعت الخطى قدر استطاعتي حتى قابلت إحدى الطالبات، فسألتني ما بك معلمتي؟ قلت لها تأخرت عليكن!! قالت: هل تقبلين السباق معي لنرى أينا تصل أولاً! لم تكن تدري وهي تقول هذه الكلمات المازحة أني فعلاً مستعدة لسباقها من أجل توفير دقيقتين أو ثلاث!! وافقت فوراً وانطلقنا نجري أمام الطالبات وبعض من شاهدنا من المعلمات من أول الردهة حتى آخرها نقطع المدرسة من أقصى إلى أقصاها!! حتى إذا وصلنا في الوقت نفسه رفعت يدها فرحاً بالوصول المتعادل! ضجت القاعة بالطالبات المشجعات اللاتي ينتظرن وصولنا مرحاً، إحدى الإداريات تساءلت باستغراب ما الذي يحدث؟ ابتسمت معتذرة إن تأخري لدقائق هو سبب هذا السباق، طالباتي علقن لم نتخيل أن معلمة تستغني عن البرستيج والشخصية لتتسابق معنا! في ثوان عاد الهدوء والاحترام يغطي القاعة.
بفضل الله تعالى يسعدني أن أقول: إن احترامي لوقتهن انعكس عليهن، فأصبحن من الحريصات على الحضور والالتزام، بينما قد يعاني بعضهن من تسرب الطالبات المستمر! كيف يمكن السيطرة على الصف والمتعلمين من هذا الجيل!
الأسباب والأسلوب يختلف تبعاً للسمة العامة للصف! فقد أجد فصلاً يغلب عليه الهدوء أو يغلب عليه الصخب!
وقد طبقت إستراتيجية أعتبرها ناجحة للتعرف إلى شخصيات الطالبات، وهي استراتيجية (من أنا)، ففي بداية كل عام دراسي أذكر لطالباتي من أنا وما هي سياسة إدارة الصف وأوزع استمارات تقوم الطالبة بتعبئتها مع ولي أمرها لتعرفني على شخصيتها بالتفصيل، ماذا تحب وماذا تكره وما هي مهاراتها وما هي نقاط ضعفها، ما هي النشاطات التي تحب المشاركة فيها، ما هي هواياتها وكذلك يكتب لي ولي أمرها؟! مع تحري الصدق والأمانة وغيرها من الأسئلة وتكون بذلك قد أهدتني مفتاح شخصيتها، ثم أقوم ببناء وتوزيع الأدوار من نشاطات وأبحاث بناء على هذه المعلومات، ومن فضل الله تعالى أجد تفاعلاً طيباً من معظم الطالبات طوال العام الدراسي، لأن المطلوب يناسب قدراتهن.
وأركز على الأمانة وحفظ أسرار الطالبة، إن لم يكن هناك ضرر يتهددها، فالثقة تبدأ من نقطة حفظ السر والاحترام المبني على الصدق، وهي قيم لابد أن يركز المعلم على تنميتها في شخصه هو قبل أن يزرعها في الطلبة، لأن الطالب له عين ثاقبة مراقبة بدقة لكل تصرفات المعلم حتى العفوية منها يقيّم بها المعلم وهل يستحق الاحترام والاهتمام، أم أن هناك أموراً أفضل من المعلم ليعطيها انتباهه في الحصة!
حدث أن وعدت طالباتي بامتحان في يوم محدد ولكني أصبت بمرض شديد كان كفيلاً بتقديم العذر لهن أو إرسال الأسئلة بدوني، لم أستطع تحمل فكرة فقدان المصداقية بيني وبينهن فاضطررت للحضور، قد يرى بعضهم أنها مبالغة ولكني أؤكد أن هذا الإحساس بأهمية الصدق واحترام الكلمة التي تقال بالإضافة لتقدير جهودهن في المذاكرة مع رعاية مصلحتهن هو الرابط الذي يجعل المتعلم أو المتعلمة يخضع لأستاذه بكل ترحاب.
وهذه بعض الملاحظات التي أتشارك فيها مع كل معلم ومعلمة ليستخرج أقصى ما يستطيع من طلبته.
1- كل حصة هي مكسب يجب تحقيق قيمة معنوية فيها ويكون ذلك بالحوار البناء البسيط والعفوي والهادف.
2- تربيتهم على إحياء الضمير ومراقبة النفس ومحاسبتها لله عزَّ وجلَّ، ويتحقق ذلك بالحزم أو بالحنان في الوقت المناسب.
3- يجب أن تنطبق الأوامر عليك أولاً فلا نطالب بالنظافة أو الحجاب أو الصدق أو الاحترام والمعلم أو المعلمة لا يحمل هذه الصفات! إنها علاقة طردية كلما زاد حرص القدوة على رفع مستوى تعامله وأدائه ارتقى طلبته معه.
4- اجعل المتعلم يقوم يوماً بدور المعلم ولينقل إلينا خبرته في التصوير أو القصة أو الإنشاد.. إلخ.
المعلم والمعلمة هما المصنع الذي يخرّج للبلد كل المهن الأخرى فما هي القيم التي نربي عليها الأطباء والمهندسين والقضاة والمحامين والعمال وأمهات المستقبل! إنها أمانة ثقيلة نسأل الله المعونة. فكم من عقول ارتقت بعقول معلميها، وكم من عقول هدمت بسبب معلميها.