غيرت أشعة الشمس الحارقة لون شعر رأسه من الأسود إلى الأشقر.. لم يحتج إلى استخدام صبغات الشعر يقف بالساعات عند إشارة المرور حاملاً سطلاً صغيراً وماسحة زجاج يتنقل بها من رصيف إلى آخر ليمسح زجاج السيارات مقابل الحصول على ريال.
يعطف عليه البعض فيعطونه ريالا أو ريالين ويزجر به البعض فيمنعونه من مسح الزجاج، يتحمل كل أصناف العذاب والإهانات التي يواجهها يوميا ابتداء بتقلبات الطقس ما بين شمس حارقة وغبار معتم، مروراً بالشتائم وانتهاء بمطاردة رجال مكافحة التسول.
ما بين الفينة والأخرى لا يهتم إذا ما كانت نظرات الآخرين تحمل مشاعر شفقة أم ازدراء، ما يهمه هو الحصول على ذلك الريال الذي يعني له الكثير، ولا يساوي شيئاً عند الآخرين.. ومع ذلك يبخل به الكثير.
ذات يوم توقفت سيارة فارهة عند الإشارة فتوجه إليها حاملاً ماسحة الزجاج.. وبدأ بمسح زجاجها انتهى من مهمته السريعة، ونظر إلى داخل السيارة فرأى طفلاً في عمره تقريباً يجلس في المنتصف على يساره والده وعلى يمينه أمه وبيده جهاز ايبود كان مشغولا باللعب فيه، توجه إلى النافذة التي امتدت منها يد الأب وبها ريال اخذ الريال وقبل أن يعود إلى الرصيف سمع الطفل يسال والده.
«بابا هذا الولد ليش يسوي كذا؟ ليش ما يروح بيتهم؟»
أغلقت النافذة ولم يتمكن من سماع إجابة السؤال، كان يعرف الإجابة جيداً. عاد إلى الرصيف ليتوجه إلى سيارة أخرى. كان عقله مثقلاً بالتفكير في حجم التناقض بين حاله وحال ذلك الطفل.
وبينما هو يفكر وقع الريال من يده.. أخذته الريح عالياً وسقط في منتصف الشارع. استجمع قواه وانطلق مهرولاً لالتقاطه قبل تأخذه الريح إلى مكان أبعد.
لكن إحدى السيارات دهسته قبل أن يتمكن من الإمساك برياله فطار عالياً كرياله عندما طار مع الريح عند تلك الإشارة.
- يحيى أحمد أبو طالب