ولج المسجد مسرعا كأنما يلاحق ظله ممسكا ببشته البني ذي الشريط الذهبي اللامع بشدة. أقام الصلاة وأنهى الفرض وواجه المصلين ليتقدم منه رجلا غزا المشيب ملامحه لم تفلح الصبغة في تخفيض عمره.. يكبره بالسن ويماثله الأناقة دون البشت. قال بصوت مليء بالحنان ما بك يا أبا حاتم؟ تبدوا مضطرباً!
رد عليه وأسنانه تصطك، حانقاً ، هامساً، لكي لا يسمعه أحد من المصلين: وكيف لا اضطرب يا أبا يوسف وهذه أوضاع المسجد، انظر هناك وأشار إلى زاوية في المسجد يقطر منها الماء، لم يقم أحد بإصلاحها حتى الآن.. هل كلمت مكتب الأوقاف؟ نعم لكنهم ابطأوا علينا ذلك لان قريتنا بعيدة عن المدن....هذا ليس بعذر ثم انظر للمصلين! بعضهم قادم بثوب متسخ، وآخر بثوب بيتي، وتأووه طويلا وقال: وهذا المدعو حسان!! انه يغضبني بشدة يا أبا يوسف. رد عليه وقد حانت منه التفاته: ما به إنه ملتزم بالصلاة مع الجماعة دوماً؟
اعلم هذا وهذا ما يغضبني، انظر إلى ملابسه، انه يرتدي ملابس الفرنجة، المفروض أن يحترم المسجد ويرتدي زيا مناسبا.
يا أبا حاتم، انه يعمل في الصيانة وهذه ملابس عمله فرد عليه غاضباً: وإن يكن! ليغير ملابسه قبل الدخول. ثم التفت إلى رجلاً وقوراً يرتدي ثوباً غالياً وبشتاً فخما. انظر إلى أبا عادل؟ انه مثال المصلى الصحيح للمسجد. خلال هذا دخل ثلاث عمال من الجنسية الهندية، يحملون صندوقا وسلم حديدي، واتجهوا إلى الزاوية واخذوا بالعمل.
تهلل وجه أبا حاتم وهمس فرحا لأبي يوسف: ألم اقل لك إن أبا عادل مثال المصلي الصحيح، لا بد أنه هو من تبرع للمسجد، هيا لنشكره. على عجالة وقف أبا حاتم ممسكاً بيد أبا يوسف واتجها إلى أبي عادل وتبادلا التحيات والابتسامات.
كل هذا تم وحسان منشغل بالنافلة. خرج معظم المصلين عدا أبا حاتم الذي جلس يراقب العمال وأبا يوسف يسليه. انهوا العمل بامتياز والشهادة ابتسامة عريضة من أبي حاتم وقد وقف في انتظارهم، ولكنهم مروا مرور الكرام عليه إلى وسط المسجد حيث حيوا حسان الذي ناولهم بعض النقود ثم انصرفوا وتبعهم حسان وأنظار أبا حاتم وأبا يوسف.
- علي الماجد