عبدالله بن حمد الحقيل:
تزخر المكتبة العربية بفيض هائل وآثار متنوعة وتراث ثقافي زاخر يحق لنا أن نفاخر به وأن نباهي الأمم بوجوده فقد وهب أسلافنا رحمهم الله أنفسهم للغتهم وآدابها ووقفوا عليها حياتهم وبذلوا في جمع اللغة وتدوينها وإقامة بنائها مبلغاً عظيماً وحينما يلقي المرء نظرة على بعض كتب اللغة ومراجعها يستبد به العجب وتأخذه الدهشة. وكل كتاب من تلك الكتب له أجزاء كثيرة يحتوي كل جزء على الكثير من الصفحات ولعل من أشهر كتب اللغة ولست بسبيل حصرها وتعدادها وإنما على سبيل المثال تاج العروس والأغاني والكتب البلاغية والنحوية ومع هذا نرى ونقرأ في بعض الأحيان من يقول إن اللغة العربية قاصرة ولا تستوعب مسميات وألفاظ الحضارة ومستحدثات التكنولوجيا وما إلى ذلك وما عرف أولئك أن اللغة العربية تحوي من النصوص والقواعد والأحكام والاشتقاق ما لا تحويه لغة أخرى.
ومن يستعرض كتاب «تاج العروس مثلاً وهو عشرة أجزاء يحوي الجزء على أكثر من أربعمائة صفحة فقد تضمن هذا الكتاب من أصول اللغة وموادها وفروعها ومسائلها ما لا يوجد في الكثير من اللغات الأخرى.
وكتاب المخصص لابن سيدة ألفه عالم جليل فاقد لبصره وقد ألف كتابه في سبعة عشر جزءاً تحوي على مسائل اللغة وفروعها وقواعدها وخصائصها ومرونتها وتفاعلها مع التطور والتجديد والمقام لا يسمح لي بالاستطراد في هذا المجال وما بذله علماؤنا السابقون من وفاء للغتهم وجهاد في ميادينها وبقيت آثارهم تدل على إخلاصهم للغتهم وما زالت مناراً تستضيء بها الأجيال العربية. وينبغي علينا اليوم أن نحافظ عليها وأن نقتفي آثارهم في العطاء والصبر والتضحية.. بدلاً من أن نتراخى ونتهاون في مواجهة الغزو الشرس للغتنا اليوم وتقويض بيانها بل نعمل على إيجاد الوسائل لصيانتها وتعريب الكلمات والألفاظ التي تتسرب إلينا اليوم بشكل هائل ونسمع من يقول لا داعي لتعريب الألفاظ الحضارية فإن ذلك يذهب جمال مسمياتها.. ورحم الله الإمام الشافعي حيث يقول لسان العرب أوسع الألسنة مذهبا وأكثرها ألفاظاً والعلم باللغة عند العرب كالعلم بالسنة عند أهل الفقه.
وبعد: فإن التشكيك في تراثنا اللغوي والأدبي والعودة إلى اصطناع العامية من الأمور التي ينبغي أن نتصدى لها بالحزم والقوة والمنطق والبيان الرفيع فقد نقل أسلافنا من الفارسية والرومية والحبشية والهندية وغيرها كلمات كثيرة وقاموا بتعريبها ولقد عرّف الأقدمون المعرب بأنه اللفظ الأعجمي الذي أدخلته العرب في لغتها وصقلته على منهاجها وأوزانها وتناولته بالاشتقاق.
ونحن اليوم نواجه الكثير من الكلمات التي بقيت سنين طويلة دون أن نعربها وزحمتنا المصطلحات والمسميات الحديثة دون الإسراع في تعريبها. إننا لفي حاجة إلى مجموعة من علماء اللغة وآدابها ممن يمتازون بسداد الرأي والنظرة الثاقبة والإدراك اللغوي للعمل على موجهة الغزو اللغوي والتطور المستمر وتنمية اللغة العربية وتهيئتها لموجهة ذلك وتعريب الألفاظ والمصطلحات المختلفة في شتى ميادين العلوم والحياة، إذ لا مناص لنا من ذلك واختيار الألفاظ العربية الملائمة.