إن الوقف مصدر اقتصادي يمكن أن يسهم في علاج كثير من المشكلات الاقتصادية في المجتمع, إذا أمكن الاستفادة من أدوات الاستثمار وأوعيته المتغيرة.
فالوقف من الصدقات الجارية التي يرجى نفعها بعد الممات، وقدر رغب الشارع الحكيم فيه وحث عليه، لما فيه من أبعاد إنسانية ودعوية واقتصادية عظيمة.
إن الوقف منهج استثماري خيري طويل الأجل يمتد إلى أجيال متعاقبة يحافظ على المال ويوجهه للنفع العام، ويحقق مبدأ التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع.
وتزداد أهمية الوقف الاقتصادية في كونه يستهدف أولاً تنمية الموارد البشرية وتلبية احتياجات الأفراد المنتفعين به في الحاضر
والمستقبل, مع العناية بالانتفاع من هذه الأجيال في عملية التنمية.
ويتمثل أثر الوقف على الاقتصاد في جوانب ايجابية كبيرة, وذلك بإسهامه في تكوين رأس المال البشري وتنميته وكذلك في المساعدة في تأسيس البنية التحتية ورأس المال الاجتماعي وإتاحة الفرص لتشغيل العمالة والتقليل من البطالة والمساهمة في زيادة الحراك التجاري للمجتمع.
ولذا, فقد سارعت بعض الدول العربية في إنشاء عدد من الصناديق الوقفية, وعلى سبيل المثال: الصندوق الوقفي للتعاون الإسلامي.
الصندوق الوقفي للتنمية الصحية.
الصندوق الوقفي للتنمية العلمية.
الصندوق الوقفي للمحافظة على البيئة.
الصندوق الوقفي للتنمية المجتمعية.
ومزية هذه الصناديق ومثيلاتها تبرز فيما تحدثه من سهولة ويسر في الوقف وإجراءاته, إلى جانب تمكين الفرد المسلم مهما قلَ حجم المال الموقوف لديه من المشاركة والتمكن من ارتياد مجالات استثمارية ضخمة,مما يفيد في دعم الاقتصاد الوطني وتعزيزه.
إن للاهتمام بالوقف عند كثير من الاقتصاديين اعتبارات عديدة, يمكن إبراز أهمها فيما يلي:
أولاً: أن مفهوم استثمار الوقف أصبح من المفاهيم الاقتصادية التي بدأ يتسع انتشارها على نطاق كبير في المجتمعات الإسلامية ويلقى قبولاً واسعاً لدى الباحثين في الاقتصاد الإسلامي وكذلك المتخصصين بشؤون الأوقاف, إضافة إلى حرص القائمين على صناديق وبنوك التنمية في العالم الإسلامي.
ثانياً: أن صفة الدوام هي أهم مايتميز به الوقف,كأصل استثماري مستديم ,ولهذا يحقق الوقف مفهوم التنمية المستدامة.
ثالثاّ: اعتبار الوقف دعامة اقتصادية وسياجاً واقعياً للفقراء والأيتام والمحتاجين الذين تعصف بهم التقلبات الاقتصادية.
وهنا نشير إلى أبرز شروط نهضة الوقف في مجتمعاتنا المعاصرة لإحياء سنته, فيما يلي: ضرورة حماية أموال الأوقاف الموجودة والمحافظة عليها من الضياع والتعطيل وحفظ سجلاتها.
وإعادة النظر بإدارة أملاك الأوقاف وبخاصة الأوقاف الاستثمارية.
وإيجاد القنوات المناسبة التي تشجع على قيام أوقاف جديدة وتقديم المشروعات الوقفية للمحسنين.
ووضع الخطط اللازمة لاستثمار وتنمية الأملاك الموجودة للأوقاف.
وضرورة تبني مبدأ (المخصص التنموي) في جميع المشروعات الوقفية الجديدة.
وهنا يمكن أن نتساءل عن مدى إمكانية مساهمة القطاع الخاص في الأعمال الوقفية.
أقول: إن بإمكان القطاع الخاص المساهمة في دعم الوقف الخيري عبر وسيلتين مهمتين:
الأولى : المساهمة المباشرة في أعمال الوقف الخيري. ويتم ذلك من خلال إنشاء صناديق استثمارية في الشركات الكبرى لدعم الوقف الخيري باقتطاع نسبة من الأرباح السنوية وإيداعها تلك الصناديق التي يتم فيها استثمار الأصول بالأشكال الاقتصادية كافة على أن يعود عائدها الربحي السنوي للأوقاف الخيرية.
الثانية: حفز القطاع الخاص للمشاركة في الاستثمار في المشروعات التي تدعم الوقف الخيري.
ويشمل ذلك تمويل مشروعات من شأنها أن تنعكس على تطوير أداء الأوقاف الخيرية.
ختاما: فإني أعرض لتساؤلات مهمة تبحث عن إجابات دقيقة شافية هي:
س: هل يتم استثمار الوقف في سوق تسوده المنافسة أو عدم المنافسة ؟!
س: هل أعطي المستثمر الفرصة الكافية للقيام بهذا الاستثمار؟
س: هل المنتفعون من استثمار الوقف يستطيعون إشعار المسؤولين بالقصور في استفادتهم من عائدات هذا الاستثمار؟! وأعتقد أن مزيداً من الدراسات البحثية ودراسات الجدوى الاقتصادية للمشروعات الاستثمارية الوقفية قد تساعد على إجابة تلك التساؤلات وغيرها.
باختصار فإن من مقاصد الشريعة الإسلامية تقوية أواصرالأخوة وتعميق مفاهيم التعاضد والتكافل في المجتمع وإعادة توزيع الدخل بين أفراد المجتمع أغنياء وفقراء توزيعاً طوعياً عن طيب نفس وسماحة خاطر.
ومن ثم فقد حضت الشريعة السمحة على التقرب إلى الله سبحانه ببذل الصدقات ومساعدة الآخرين ,قال الله تعالى {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (20) سورة المزمل