يوم الخميس الموافق 18 ديسمبر 2014م هو يوم عالمي يحتفي فيه العالم أجمع باللغة العربية. وهذا الاحتفاء بلغة العرب. ونتوقع أن يحظى يوم اللغة العربية العالمي باهتمام دولي، واهتمام المراكز الأكاديمية والبحثية في الوطن العربي. إن اللغة العربية هي أكثر لغات الأرض، وهي لغة العلم والأدب والفن والعقل والروح والصورة والصوت. ويبقى السؤال مطروحاً: ماذا يجب علينا أن نفعله من أجل اللغة العربية حفاظاً على هويتنا الثقافية؟ وهل تنتهي مسؤولياتنا تجاه هذه اللغة العربية بمجرد انعقاد الاحتفال والمهرجان كالعادة؟ وماذا بعد؟
من المؤسف والمقلق أن الكثير من الأشخاص الصم في الوطن العربي لا يتقنون القراءة والكتابة رغم وجود تدريس اللغة العربية في مدارس الصم ومدارس الدمج منذ فترة طويلة، بينما الأشخاص الصم في الدول المتقدمة وبعض دول العالم الثالث يجيدون لغتهم الوطنية ولغتهم الإشارية أيضاً، ويمكنهم الاندماج مع المجتمع العام والتواصل مع الأشخاص السامعين بشكل طبيعي وواضح جداً، ويمكنكم عمل مقارنة بينهم وبين الصم العرب، وسوف تجدون فروقاً شاسعة. وهذه حقيقة لا مبالغة فيها.
أعلم كل العلم أن المشكلة ليست في الصم العرب أنفسهم، بل لعدم وجود مركز تعليم اللغة العربية للصم، وأيضاً عدم وجود إعداد وتأهيل للمعلمين؛ حتى يتمكنوا من القيام بمهمة التدريس في المدارس. وأغلب المعلمين في مدارس الصم لا يتقنون لغة الإشارة رغم أنهم يعملون في مدارس الصم منذ فترة طويلة، ولم يتواصلوا بشكل واضح بين الطلاب والمعلمين، كأنهم يتجولون في شوارع الصين، ولا يفهمون بعضهم بعضاً!
يجب أن لا ننسى أن هناك فرقاً كبيراً بين اللغة العربية واللغة الإشارية. فلغة الإشارة هي لغة محلية، لا يفهمها جميع العرب؛ لأنها متعددة ومتنوعة في بلاد العرب. أما اللغة العربية الفصحى فهي التي يفهمها جميع العرب في كل أقطارهم. أتمنى من الجميع أن يدرك هذا الوضع الغريب.
حين قابلت الكثير من الصم في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية، وتحدثت معهم شخصياً، وجدت أنهم متعلمون فعلاً، ويملكون ثقافة عالية؛ لأنهم ببساطة يقرؤون الكتب منذ صغرهم، مع اهتمام وعناية أسرهم ومدارسهم بالقراءة، إضافة إلى أنهم يدرسون في الجامعات مع الطلاب السامعين، وتقدِّم لهم الجامعات مترجماً للغة الإشارة أو عرض النصوص الفورية على الشاشة، حسب رغبتهم الشخصية. ماذا عن خدمة الصم العرب؟ لا شيء على الإطلاق.
أعلم جيداً أن هؤلاء الصم العرب يفضلون التواصل بلغة الإشارة في كل مكان وزمان، وهذا شيء طبيعي، لكن عليهم أن يدركوا أن الاعتماد على لغة الإشارة اعتماداً كبيراً مع قلة ممارسة القراءة والكتابة لا يمكنهم من تطوير وتنمية لغتهم العربية ورفع مهاراتهم القرائية والكتابية. يتفق الجميع على أن القراءة والكتابة هما حجر الأساس في بناء معارف الإنسان والعلم والمعرفة والنهضة والتطور، ويكفي أن أول آية نزلت على رسولنا الكريم هي سورة (اقرأ)، التي تحث بشدة على القراءة.
من الملاحظ أن هناك مشروع القاموس الإشاري الجديد لتدريب المعلمين والمتخصصين ومترجمي لغة الإشارة وغيرهم في بعض الدول العربية، خاصة السعودية، وأن المؤسسات الحكومية والخاصة تنفق الأموال الضخمة لدعم هذا المشروع. لا أشك أن هذا المشروع أمر عظيم من أجل مصلحة مجتمع الصم، لكن الغريب في الأمر أنني قد لاحظت عدم وجود أي مركز تعليم للغة العربية للصم، وأعني هنا مركز مستقل وبحثي للغة العربية.
أود في هذا المجال أن أطرح هذه الأسئلة:
كيف وُجدت تلك الأموال الباهظة لمشروع القاموس الإشاري ولا يوجد أي مشروع لمركز اللغة العربية للصم؟
ولماذا يتم التركيز على دورات لغة الإشارة وتفعيل القاموس الإشاري فقط دون النظر إلى إنشاء مركز اللغة العربية للصم؟
وكيف نصنع مجتمعاً قارئاً؟ وكيف نجعل الأجيال الصم القادمة أجيال قراءة؟ وماذا ننتظر؟
أخيراً، أطالب بإنشاء مركز تعليم اللغة العربية للصم، والتوعية بأهمية القراءة لدى الصم، وتشجيع الأطفال منهم على القراءة والاطلاع في سن مبكرة. أطفالنا الصم أمانة في أعناقنا جميعاً.
أجزم كل الجزم بأن تلك الأموال لو أنفقت على مشروع إنشاء مركز اللغة العربية للصم وتدريب وتأهيل المعلمين ودعم الوسائل التقنية الحديثة التي تساعد على تقوية اللغة العربية لما كان هذا المستوى المتدني في مهارات القراءة والكتابة لدى الصم. وليس من الإنصاف حرمان هؤلاء الصم من تعلم اللغة العربية وقراءة الكتب الأدبية والعلمية بأنفسهم بدلاً من الاعتماد شبه الكامل على الآخرين حفاظاً على هويتنا الثقافية.