الإسكندرية - مكتب الجزيرة - علي فراج:
واصل المشاركون في مؤتمر (نحو استراتيجية عربية شاملة لمواجهة التطرف)، الذي تنظمه مكتبة الإسكندرية بالتنسيق مع وزارة الخارجية، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، مناقشاتهم وحواراتهم حول ظاهرة التطرف. وقد شهد المؤتمر خلال أيامه الثلاثة حواراً بناءً، وإن لم يخلُ من سجالات فكرية وسياسية من ألوان الطيف الفكري العربي بمختلف ميولها، لكن في المجمل كان هناك حالة من التناغم والثراء في الأطروحات المقدمة.
وقد حرص المشاركون من الدول العربية كافة، وفي المقدمة منهم المشاركون من المملكة، الذين يتقدمهم الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير الجزيرة، على مناقشة الظاهرة البغيضة، ووضع حلول جذرية لمواجهتها، وتصورات فكرية ترفع للقادة العرب في القمة المقبلة لاتخاذ قرارات تنفيذية، يعرب الجميع عن آمالهم بأن تؤدي بدورها إلى استئصال جذور الإرهاب.
استُهل اليوم الثاني من المؤتمر بجلسة مهمة تحت عنوان «إعادة بناء الفكر الإسلامي المعاصر»، أدارها الدكتور إبراهيم السوري من السودان، وتحدث فيها كل من الشيخ أسامة الأزهري نائباً للدكتور علي جمعة مفتي جمهورية مصر العربية السابق، والدكتور السعود سرحان من السعودية، والدكتور الزبير عروس من الجزائر، والأستاذة مريم أمين من مصر، والدكتور عبد اللطيف عبيد من تونس.
واعتبر الشيخ أسامة الأزهري، أحمد علماء الأزهر البارزين، أن فوضي الإفتاء والإرهاب تمثل أزمة حادة، تؤدي إلى فَهم خاطئ لصحيح الدين الإسلامي، من خلال أحداث دموية، في ظل غياب مقاصد الشريعة الإسلامية وتحويلها إلى أداة للقتل والدمار، بعكس أهدافها الحقيقية لأهداف العمران وبناء المؤسسات. وأضاف بأن مكافحة التطرف والإرهاب تمثل هدفاً لإعادة بناء منظومة الفكر الإسلامي، والإثبات للعالم أن صحيح الدين للحياة وليس للقتل والموت. واستند الأزهري في تدليله على أخطاء تستخدم في تفسير الدين من خلال بعض الكتب التي تستعرض أطروحات دموية، منها كتب (سيد قطب) التي يجب أن توضع تحت المجهر بما تحمله من أفكار دموية تؤدي إلى تشويش فكر الوطن.
كما أرجع اللواء محمد إبراهيم، رئيس وحدة الدراسات الفلسطينية/ الإسرائيلية بالمجلس المصري للشؤون الخارجية، تردي الأوضاع الحالية في سيناء إلى غياب الدولة وخروجها من خريطة التنمية للمشروعات، والتحول في عقيدة الجماعات من محاربة إسرائيل إلى محاربة الدولة المصرية، مؤكداً أن ما يجري حالياً من عمليات في سيناء هو «حرب تحرير جديدة»، مشيراً إلى أن هذا الوضع لن ينتهي في فترة قصيرة كما تتحدث وسائل الإعلام. وأضاف بأن علاج الأوضاع في سيناء يرتبط بصهر سيناء في عمليات التنمية. وعول إبراهيم آمالاً على هدوء الأوضاع في قطاع غزة وسيناء لقيام الدولة الفلسطينية والمصالحة الفلسطينية، واعتبر أن إرهاب الدولة الإسرائيلية يشمل 3 دوائر متشابكة ومعقدة، هي (الدائرة الإسرائيلية، الدائرة الغزاوية ودائرة سيناء)، مشيراً إلى أنها دوائر مترابطة، ويجمعها شريط حدودي، خاصة من الحدود الشرقية لمصر على مساحة 14 كيلومتراً.
وقال إنَّ إسرائيل تمثل نموذجاً حيًّا لما يمكن وصفه بـ»إرهاب الدولة». وخلال الانتخابات الإسرائيلية المبكرة ينشب صراع بين اليمين المتطرف والأشد تطرفاً في إسرائيل، بما يهدد الأمن القومي العربي، خاصة بعد اندثار اليسار الإسرائيلي. وأشار إلى أن الدولة الوحيدة في العالم التي لا تزال تحت الاحتلال هي «فلسطين»، وكل ما يتعلق بالمناطق الفلسطينية والعربية يعيد رسم الخريطة مرة أخرى، حتى تخرج تلك المناطق لتنضم إلى دولة يهودية ذات طابع نقي يهودي؛ يُسقط حق عودة اللاجئين. وحذر إبراهيم من تهويد القدس عبر عمليات «تسييل» السكان الفلسطينيين، وزيادة مساحتها من 7 كيلومترات مربعة إلى 70 كيلومتراً مربعاً؛ ليتم ضم مستوطنات إسرائيلية تُزيد عدد السكان الإسرائيليين على الفلسطينيين.
وتحدث إبراهيم عن عمليات اغتيال الموساد الإسرائيلي لشخصيات فلسطينية، إضافة إلى تبنيها استراتيجيات الضربات الاستباقية خارج أراضيها، ومنها عمليات جرت في السودان، كانت محمَّلة بالمؤن لصالح حماس. وألمح إلى مساعي الجانب المصري خلال مرحلة المصالحة بين الجانب الفلسطيني - الفلسطيني بأن تتحول حكومة حماس إلى حكومة دولة وليس حكومة مقاومة، وإبداء النصح بأن حركات المقاومة تختلف عن حكومة حركة فقط، بما أسهم في صعود حركات أخرى متشددة بسبب عدم الاستماع إلى النصح.
فيما قال الدكتور محمد مجاهد، رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، إن الرابح الأكبر في الأزمة العراقية هم الأكراد، خاصة في مساعيهم إلى استقطاع أرض لهم من العراق، مؤكداً أن المقاومة العراقية لداعش حالياً تشكلها قوات من الجيش، إضافة إلى مساندة شعبية، إضافة إلى 11 ميليشيا شيعية، تدين بالولاء إلى إيران، إضافة إلى قوات من الحرس الثوري الإيراني، بما يهدد الأمن القومي العراقي. وعرّف مجاهد الأمن القومي بأنه الحفاظ على تماسك الدولة وكيانها ضد التهديدات الداخلية والخارجية، وهو يمثل شقين: شقاً أمنياً وآخر تنموياً يرتبط بالأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. مشيراً إلى أن الأمن القومي العربي هو حصيلة مجموع الأمن القومي لكل الدول العربية، وتنمية المجتمعات العربية بصورة أساسية.
فيما حذر الخبير في الشؤون الإفريقية جمال يوسف من أن تحولاً كبيراً طرأ على الجماعات المتطرفة التي كانت تستخدم في الماضي أسلحة خفيفة؛ لتتحول إلى استخدام أسلحة يمكن اعتبارها عتاد جيوش كاملة، محذراً من خطورة هذا الموقف. وألمح يوسف إلى قيام الإدارة الأمريكية بدعم بعض الكيانات والتنظيمات التي تحاول الخروج على النظم الحاكمة، مشيراً إلى أنها تسعى إلى إسقاط دول، ولا تسعى إلى إعادة لمّ الشمل في هذه الدول، فضلاً عن دعمها لجماعة الإخوان المسلمين في فترة من الوقت. وأوضح أن تلك السياسة جاءت بعد تجربتها بوقوع الجندي الأمريكي، الذي يمثل رمز القوة لديها، بما جعلها لا تسعى للزج بجنودها في قتال مباشر.
ومن جانبه، أكد الدكتور السعود سرحان أن المعركة مع التطرف ليست في مواجهة الأعمال الإجرامية، ومعاقبة أصحابها فقط؛ فهذا الأمر - مع أهميته - ليس سوى جزء يسير من حرب أكبر وأشمل على العقول والقلوب. وأشار «سرحان» إلى أن خط الدفاع الأول القادر على تجريد هذه المجموعات المتطرفة من شرعيتها المزعومة هم العلماء التقليديون، الذين يمثلون الامتداد الحقيقي لفقهاء الإسلام، الذين واجهوا أسلاف هؤلاء الإرهابيين. وأضاف بأنه من الضروري أن ترافق دعم المؤسسات الدينية التقليدية ودور الإفتاء جهود جبارة لإصلاح هذه المؤسسات؛ لتكون أكثر انفتاحاً واستيعاباً، لكن أمثال هذه المشروعات الإصلاحية يجب أن تكون نابعة من داخل المؤسسات الدينية التقليدية، وغير مفروضة عليها من الخارج. وأكد أن المؤسسات الدينية الرسمية وعلماءها الفضلاء هم القادرون على إسقاط الشرعية عن جماعات الإسلام السياسي، وبيان خروجها عن الإسلام الصحيح.
وبدوره، أكد الدكتور الزبير عروس أن التطرف ليس ظاهرة جديدة، وتاريخنا الإسلامي معروف بمظاهر التطرف، وأنه لا يمكن مواجهة التطرف وتصحيح الفكر المختل إلا من خلال تحليل ومعالجة هذه المحطات التاريخية. وأشار «عروس» إلى أنه ليس السبب الوحيد للتطرف هو الفقر والجهل فقط، وإنما هناك خريجو جامعات ومثقفون أعمدة التطرف. وأكد أنه يجب مواجهة التطرف بالفكر وليس أمنياً. وأضاف بأنه إذا تحدثنا عن الإسلام السياسي فالإسلام السياسي موجود في السلطة أيضاً التي تدعو إلى بناء فكر جديد، وهو فكر يتصارع مع الآخر، ويحاول أن يقصي الآخر ويشوهه.
وفي كلمتها أشارت الأستاذة مريم أمين إلى أنه عند النظر إلى علاقة التطرف بالمرأة يظهر لنا ظاهرتان. وللأسف، هاتان الظاهرتان موجودتان في عالمنا العربي، هما التطرف ضد المرأة، ومشاركة المرأة في التطرف نفسه. وفي كلتا الظاهرتين تخرج المرأة عن إنسانيتها، إما بالجبر بأن يمارَس ضدها التطرف، سواء كان فكريًّا أو ماديًّا، وإما بإجبارها على أن تشارك في عملية التطرف فتصبح متطرفة. وأضافت بأن هناك عوامل كثيرة قد تؤدي إلى تطرف المرأة، منها التمييز القائم على النوع، والتعليم، وفرص العمل، والتهميش لدور المرأة، وحصرها في أدوار محددة.
فيما قال الأنبا بولا أسقف طنطا وتوابعها ورئيس لجنة العلاقات العامة بالكنيسة الأرثوذكسية: إن الكنيسة تعد حالياً مشروع قانون موحد للأحوال الشخصية وقانون لبناء الكنائس، مشدداً على ضرورة الوصول إلى حلول جذرية تقتلع الإرهاب من جذوره بالتعاون وتضافر القوى بين الشعب والحكومة ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية.
كما تحدث الأنبا غريغوريوس لحام بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية والقدس عن تفاعل كنيسة العرب مع الأغلبية المسلمة بالحرص على واجباتها وحقوقها، مطالباً بمصالحة عربية شاملة، وناشد تكوين مجموعة عربية مسيحية إسلامية، تعمل على ميثاق عربي جديد، يلبي تطلعات الشباب، ويضمن إقامة دولة حديثة، تقوم على المواطنة. وقدم ورقة بحثية إلى إدارة المؤتمر، تتضمن محاور تؤكد السلام والتعايش المشترك، إضافة إلى دور المسيحيين العرب في الأزمات الحالية. وأشاد غريغوريوس بالدستور المصري الجديد لما يعطيه من أولوية لتحقيق الحريات والحفاظ على حقوق الأقليات.