قال تعالى {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} (النحل: 61)، فُجعت الساحة الشعبية قاطبة بوفاة الشاعر الكبير رشيد الزلامي، نسأل الله - جلّت قدرته - أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته، وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة وأن ينزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
إن رحيل قامة أدبية باسقة مثل أبو جميل هو خسارة فادحة على الجميع، ليس لمكانته الكبيرة في الشعر وما أضافه لتاريخ جزالة الشعر الشعبي، سواءً شعر المحاورة أو النظم فقط، بل لأنه كان مدرسة مستقلة لأجيال الشعر المعاصرة والقادمة في الأخلاق الفاضلة والحكمة والأدب الجم والرجولة الحقة والوطنية والمواقف المشرفة والمحبة المتبادلة مع الجميع، كل ذلك توثقه نصوص شعره والمنصفون من الناس الذين هم شهود الله في أرضه، يقول - رحمه الله - في حبه لوطنه المملكة العربية السعودية:
هذي وطنَّا من على روس الأشهاد
مهبط وحي ما دنسوها اليهودي
ارض العرب وارض الديانة والارشاد
وام العرب من يوم عاد وثمودي
وعن عصاميته وشق دربه الشريف في دروب الحياة يقول رحمه الله:
رحلة مع الأيَّام صوله وجوله
نزعة شباب وكمّلت عمر مخلوق
بديتها وأنا بسن الطفوله
واليوم رسم الشيب في الراس من فوق
ومنها قوله:
ماهوب أنا اللِّي قلت كلٍّ يقوله
كم عاقلٍ قلبه من الدهر محروق
ركض مع الدنيا وتعبت ذلوله
ومثلي على درب الخطر ساقها سوق
ويقول رحمه الله بشأن مواجهة النفس بِهمّةٍ عالية، وهو درس ثمين سيبقى للأجيال في كل مناحي الحياة لئلا يلوم أحد الوقت أو الظروف ويتذرّع بها:
يالِّلي تلوم الوقت وش ذنبه الوقت
يخطي ردي العرف ويلوم وقته
غيرك بشر ذاقوا من الوقت ما ذقت
وانت السبب في اللِّي حصلّك وذقته
وفي المصداقية مع النفس ومع الناس وقبلها مع الله سبحانه وتعالى يقول - رحمه الله - بأصالة راقية تُحتذى:
يا صاحبي ما نيب قطّاع ساقه
وكلمة شرف عندي تساوي معاشي
وعن الصداقة الحقة ومعايير معادنها الناصعة يقول - رحمه الله -:
لولا الشدايد ما عرفنا الصداقة
والاَّ الرخاء كلٍّ بيمناه يومي
لكنّ فـ الشدّه للأصحاب فاقه
في ساعةٍ فيها تضيع العلومي
وفي تقييم الآخرين بما يحسب لهم أو عليهم بإنصاف متناهي الدقة يقول - رحمه الله -:
يا موزع النعم خل النعم لأصحابه
ما ينعطى غير للِّي يستحقونه
النعم يعطى لرجلٍ فاتحٍ بابه
للضيف واليا بغوه بـ حال يلقونه
وبعد.. فإنَّ مناقب الشاعر رشيد الزلامي - رحمه الله - لا تختزلها عبارات تأبينية محددة سواء على الصعيد الشخصي أو الشعر، فهو حاضر بيننا وإن كان قد رحل بجسده عن هذه الدنيا الفانية - رحمه الله - فمثله يُعزَّى فيه الجميع لأنه فقيدهم، وأخص أبناءه الأعزاء جميل وبندر وتركي وفيصل، وأسأل الله أن يجمعنا به في الجنة في الدار الآخرة إنه على كل شيء قدير.