تحفل صحيفة الجزيرة مطلع كل يوم بمقالات وتقارير متميزة في كافة المجالات، وبالتأكيد فإن هذه المقالات التي يكتبها متخصصون وخبراء تتفاوت في مستوياتها وجودة طرحها، وفي العدد (15384) تاريخ الثلاثاء الموفق 18 - 1 - 1436هـ نشر مقال للأستاذ محمد بن علي المسلم بعنوان «هل يوجد لدينا غرف تجارية على مستوى عالمي؟» وهو سؤال كبير، وكان المتوقع أن يحاول الكاتب وبحكم أنه مستشار أن يجيب عليه بطريقة علمية واضحة، لكن محتوى المقال كشف أن الكاتب ركز في مقاله على الغرف الصغيرة في المحافظات واصفًا هذه الغرف بأنها «غرف من ورق»، معترضًا على وجودها ومطالبًا بإقفالها بحجة أنها لا تملك الإمكانات الكافية للقيام بمهامها ومسؤولياتها، والغريب في الأمر أنه لم يحدد في مقالته مواصفات المستوى العالمي التي يريدها من الغرف في المملكة، وإنما اكتفي بكيل المديح والثناء للغرف الرئيسة في المملكة دون أن يخضع أعمالها وأداءها للمواصفات العالمية التي يريدها من الغرف الصغيرة، كما أنه لم يوضح الخدمات التي تقدمها الغرف الرئيسة لمنتسبيها، وكأنه يعتقد بأن معيار النجاح للغرف التجارية هو عدد المنتسبين، ومع أننا نفتخر بالغرف الرئيسة في بلادنا ونعتبرها نموذجًا مشرفًا للغرف التجارية، إلا أننا كنا نتمنى من الكاتب الكريم أن يوضح لنا ما الخدمات التي تقدمها الغرف الرئيسة لمنتسبيها ولا تستطيع الغرف الصغيرة تقديمها؟
والمفارقة في الأمر أن الكاتب الكريم وقبل نشر هذا المقال بأسبوع نشر مقالاً يثني فيه على نجاح منتدى الاستثمار الصناعي بمنطقة القصيم الذي نظمته الغرفة التجارية الصناعية بمحافظة عنيزة بالتعاون مع جهات أخرى، من ضمنها مركز قلعة المسك للاستشارات الاقتصادية الذي يرأسه وقد استفاد من المشاركة في تنظيم هذا المنتدى معنويًا وماديًا، فهل نجاح هذا المنتدى الذي نظمته غرفة تنتمي إلى الغرف المتوسطة يعبر عن فشل هذه الغرف وعدم قدرتها على تنمية القطاعات التجارية والصناعية في المناطق والمحافظات التي تخدمها؟
وبحكم تشرفي برئاسة مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بعنيزة لدورتين متتاليتين فإنني استطيع أن أتحدث عن تجربة غرفة عنيزة، فقد كانت فرعًا للغرفة التجارية الصناعية بمنطقة القصيم منذ العام 1402هـ وعلى مدى 25 عامًا، ومع كامل التقدير والاعتزاز بجهود غرفة القصيم في تلك المرحلة إلا أن فرع الغرفة بعنيزة وبحكم أنه فرع لم يكن يتجاوز دوره إصدار رخص الانتساب للغرفة وتصديق الوثائق، أما بعد تحول الفرع إلى غرفة مستقلة مطلع العام 1428هـ فقد استطاعت غرفة عنيزة أن تتجاوز دورها في مجال تنمية التجارة والأعمال إلى المشاركة في خدمة المجتمع ومد جسور التواصل مع كافة القطاعات التنموية داخل عنيزة ومنطقة القصيم وكانت حاضرة في جميع مناسبات وفعاليات المحافظة، ويصعب في هذه العجالة حصر وتعداد الأعمال التي قامت بها الغرفة منذ إنشائها ولكن حسبي أن أشير إلى الجهود التي قامت بها العام الماضي فقط (1435هـ) حيث أقامت الغرفة أكثر من مائة فعالية ونجحت في إقامة عدة ملتقيات وظيفية شاركت فيها منشآت كبيرة وأثمرت عن توظيف ما يزيد عن ألف شاب وشابة من أبناء عنيزة والمحافظات القريبة منها، كما نظمت عدة معارض وندوات ومحاضرات اقتصادية وتوعوية، ناهيك عن قيامها بالتنسيق والتواصل وتهيئة المواقع للجهات التمويلية بهدف دعم الشباب للتوجه نحو الأعمال الحرة وافتتاح المنشآت الصغيرة، وإقامة مهرجانات تسوق حققت نجاحًا بشهادة أصحاب الأعمال في عنيزة، إضافة إلى دعم الأسر المنتجة من خلال مركز سيدات الأعمال بالغرفة وغيرها كثير مما يصعب حصره في هذا المقام، وبشكل عام استطيع أن أقول وبثقة بأن نتائج أعمال الغرف التجارية يقاس بجهود القائمين عليها وبتفاعل رجال الأعمال وقطاعات التنمية، وبالدعم الذي تحظى به من المسؤولين في المنطقة الإدارية التابعة لها، حيث حظيت غرفة عنيزة منذ إنشائها بدعم وتشجيع منقطعي النظير من سمو أمير منطقة القصيم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز - حفظه الله-، وسمو نائبه صاحب السمو الملكي الأمير د.فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز - حفظه الله- اللذين يقدمان كل ما بوسعهما لدعم أي نشاط يصب في خدمة التنمية الشاملة بمنطقة القصيم، ولعل دعمهما وتشريفهما لأعمال منتدى الاستثمار الاقتصادي بمنطقة القصيم الذي نظمته الغرفة أواخر العام الهجري المنصرم خير دليل على هذه الرعاية والاهتمام.
إن المملكة العربية السعودية وبما تعيشه في هذا العصر الزاهر من نمو اقتصادي انعكس على جميع الأنشطة التجارية والصناعية أحوج ما تكون للغرف التجارية الصناعية، وإذا كان الكاتب الكريم محمد المسلم يستكثر على المملكة وجود 30 غرفة، فالواقع الاقتصادي يقول إن المملكة بحاجة إلى المزيد من الغرف التجارية، ومن المهم في هذا المقام الإشارة إلى أن كثيرًا من الدول الأوروبية تمتلك غرفا تجارية لكل نشاط أو تخصص بما فيها الدول الاسكندنافية صغيرة الحجم، فهل يمكن مطالبة هذه الدول بإقفال غرفها لمجرد أن مساحتها صغيرة؟
إنني اتفهم أن تكون هناك مطالبات بتطوير أداء الغرف التجارية في المملكة بشكل عام، وأن يكون لها دور أكبر في مجال الحركة الاقتصادية والصناعية، لكن هذا يشمل جميع الغرف الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، بمعنى أن المطالبات تلامس تطوير نظام الغرف التجارية بالمملكة واللوائح التنظيمية الخاصة بها، أما محاولة النيل من الغرف الصغيرة والتقليل من دورها والمطالبة بإقفالها فهو أمر يثير الاستغراب خاصة وأنه صادر من رجل يعمل في مجال الاستشارات الاقتصادية والإدارية، فالمحافظات المتوسطة والصغيرة في المملكة أصبحت بفضل الله تضم في الوقت الحاضر كافة القطاعات التي تمثل مصالح الناس وتسهم في التنمية الشاملة في المملكة، بل إن سياسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -وفقه الله- استهدفت التوسع في التعليم الجامعي وافتتاح جامعات كبيرة في محافظات صغيرة ومتوسطة بهدف تنمية وتطوير هذه المحافظات، كما أن هيئة المدن الصناعية ووزارة الصناعة عملت على افتتاح مدن صناعية في معظم المحافظات في المملكة بهدف التنمية والتطوير وتحقيق التوازن التنموي في كافة أنحاء بلادنا الغالية.
وفي الختام آمل أن تتبنى إحدى الغرف التجارية الرئيسة في بلادنا إقامة وتنظيم مؤتمر أو منتدى يختص بتقويم واقع الغرف التجارية بالمملكة وسبل تطويرها وتنمية أعمالها بحيث يمكن من خلال هذا المنتدى تقديم رؤية علمية حول أداء الغرف التجارية سواء كانت صغيرة أو كبيرة، آملاً للكاتب الكريم التوفيق والسداد في مقالاته القادمة.
صالح بن ناصر الصويان - رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بمحافظة عنيزة