اطلعت على مقالات، نشرت في جريدة الجزيرة، حول مشاركة رئيس الهيئة السابق في مكة المكرمة، أحمد الغامدي، وآخرها ما كتبه الأستاذ ناصر الصرامي، حيث أشار لشجاعة أحمد بن قاسم الغامدي، كشيخ تشجع للإفصاح، عن الرأي الآخر، في جواز كشف يدي ووجه المرأة، عند الأجانب عنها، ولن أناقش المسألة، ولكن تعليقي أحصره في معرفة الخلاف الفقهي من عدمه. فالخلاف حول كشف الوجه واليدين، يدرس للطلاب في الثانوية، عبر مقرر الحديث، للصف الثالث الثانوي، ويستنير الطلاب في معرفة الخلاف، ولاستيضاح الدليل، ويستعرض المقرر الأدلة، ونقاش الفريقين، فلا جديد في طرحه، إلا ما حدث في مشاركة زوجة الأخ أحمد الغامدي، وتقديم الدليل عمليا. والجميع حر في اختياراته، سواء الشخصية أو الفكرية أو الفقهية، ما لم تحدث ضرراً أو تجاوزاً، في أو لحقوق الآخرين، وليس هدف هذا التعقيب الوقوف بصف فريق دون آخر، ولكن الهدف توضيح الواقع.
هذا البلد بقيادة خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وفقه الله ورعاه، يدرك واجباته المناطة به، والمزايدة على هذا الوطن غير مستساغة ولا تقبل بحال، ولا يحجر المسؤول على الحريات، ولكن الجميع لا يقبل التجني، وخصوصا عند تصوير وضع البلد على خلاف واقعه. المسؤول الأمين والعالم الرباني، لا يمكن لهم الميل مع فئة من المجتمع، ولا تضييع الأمانة لخاطر فريق في كل المجالات، وإن حدث، فالأسباب تعود لمن اعتلى مركبا صعبا، ولكن، لا يصح إلا الصحيح، وسرعان ما تتكشف الأمور للتصحيح والتوضيح، ثم رد المتطاول لرشده، ترغيبا أو ترهيبا، قصرا أو اختيارا.
ولذا أقول: المسؤول الأمين والعالم الرباني وصاحب الحق والمعلم الشرعي، لم يخفوا الخلاف الفقهي، خوفا من مذهب ما، كما يقول البعض، وليس الصواب في اعتبار الخلاف، بل الصواب في فهم الأدلة على وجه صحيح، ثم استنباط الحكم وفق المقصد الشرعي، بقدر اجتهاد من هو أهل للاجتهاد، ولا تحجير إلا على الأساليب المعوجة. فوجود الدرس في مقرر الصف الثالث الثانوي أكبر دليل، على متانة الثقافة في المملكة العربية السعودية، فالعلماء والمسؤول التربوي قاموا بدورهم، في توضيح الخلاف، لا كما يقول البعض. والذين يتكلمون بلا علم وبلا معرفة ولا اطلاع، لن يصدقوا، إذا قلنا إن الخلاف متاح للنقاش، وفي وقت مبكر، ولا تستحق المسألة كل هذا الصدام.
البعض يعبرون عن أنفسهم بأنهم جهابذة، في تعرية الخلاف وتناول الرأي الآخر، وأنهم أبرزوا الخلاف، بينما الخلاف يدرس لطلاب التعليم العام والعالي، في مرحلة عمرية مناسبة، وبلا شوشرة وتضارب، ولا يمارس فريق ما، تسلطا على الآخر، وكل حر في اختياراته، إلا ما ظهر هذه الأيام.
فتدريس الخلاف موجود، قبل أن يظهر الغامدي وغير الغامدي، وهو درس مقرر، في الجامعات وفي مدارسنا، وقبل في دروس المساجد، وليس من الذوق، ولا من الحكمة تقاذف التهم بسبب الخلاف.
والحق أن يقال: لا تزايدوا علينا، فلم يجبر ولي الأمر أحدا على رأي، وكل يؤخذ من قوله ويرد، إلا المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقبل ذلك يتم التسليم بآيات الله الكريمة.
الخلاف ليس هو الدليل، بل الخلاف أداة للوصول للحق، وأسباب الخلاف متعددة، ومنها عدم وصول الدليل لعالم في زمن مضى، واليوم لا يكتب حرف في الشرع، إلا وقد انتشر وعلم به، فلا خوف على الشرع، إلا إذا استخدم أداة لتمزيق وحدتنا ولحمتنا، أو لتمزيق الشرع واقعا، وإلا فالشرع باق إلى يوم القيامة.
إنكار تناول الخلاف افتئات على ولاة الأمر، وعلى العلماء وعلى التربويين، في ظل عدم منع تناول الخلاف في الجامعات والمدارس والمساجد، فالخلاف ليس محظورا ولا ممنوعا، بل مقررا. فولاة الأمر تسلموا الأمانة وأدركوها، ومن لا يصدق ما أقول، بإمكانه مراجعة المقررات، والبحث عن مقرر الحديث للصف الثالث الثانوي، ليعرف ويدرك فضل الله، ثم دور ولاة الأمر والعلماء في خدمة المجتمع، فلا تلبيس على أحد، فالأقوال تناقش، والمذاهب لا تحارب لحساب فريق ضد فريق، وإن صور البعض عكس ذلك، وشرعنا واحد، تحترم فيه العقول التي توضحه وتبينه، إلا عمى القلب، فلا حيلة فيه. وإن عدم اطلاع البعض على واقع الثقافة وواقع التعليم، تجعلهم يخرجون بانطباع غير منصف وتتجمع لديهم معلومات مغلوطة، ولذا فالتبين مطلب، عند لوم العلماء في توضيح الخلاف.
لذا لم يتدخل العلماء في منع موضوع المقرر، ولم يخفِ المقرر الخلاف، فتناول الخلاف ثابت واقعا، ولم أسمع عن طلب العلماء، لمنع الحديث عن الخلاف، ولكن الفرق في أسلوب التناول.
- شاكر بن صالح السليم