القراءة هي من أهم وأجل الأوامر الإلهية التي نص عليها القرآن صريحاً وأمر بها الانسانية جمعاء، ولكن هل تقتصر القراءة على كل من يعرف الابجدية ويستطيع فهم الحروف عندما تتصل بعضها ببعض مكونة كلمات وجملاً؟
قد يكون تعلم الحروف وترتيبها ووضعها في جمل مفهومة، والقدرة على قراءتها من اهم مكونات العقل البشري وهي ما يساعد على رقي المجتمعات الانسانية. ولكن هل تقتصر القراءة فقط على ذلك؟ ام ان العالم يحتوي على نصوص اخرى قد تكون غير مكتوبة بالشكل المعتاد؟ وهل معرفة القراءة بمفهومها التقليدي كفيل بخلق مجتمع واع؟ فإن سلمنا جدلا ان القراءة تعد من اسس بناء المجتمع، فهل تكفي بحد ذاتها لبناء مجتمع سليم؟.
القراءة لا تقتصر فقط على قراءة الاحرف المكتوبة بل تشتمل كذلك على قراءة النصوص المرئية والمتمثلة في المواقف التي نشهدها كل يوم. فنحن نقرأ الافعال والسلوك وردود الافعال للاخرين، اي باختصار، نحن نقرا الافراد كنصوص . وكذلك، نحن نقرا احداث الماضي ونحاول قراءة ماسيكون غدا. اذا، نحن نعيش في بيئة نصية كما يعتقد المفكر الفرنسي ديريدا الذي يعامل كل ما حوله على اساس انه نص قابل للتفكيك.
ولكن ومع اتساع رقعة النصوص وتعدد توجهاتها ولغاتها وشخوصها، اصبحنا نحتاج إلى توسيع مداركنا بحيث نتمكن من ترجمة هذه النصوص إلى لغة نستطيع فهمها. فكون النصوص مرئية لا يجعل فهمها اسهل. فحين نتعامل مثلا مع نص من ثقافة اخرى علينا ان نقف على حافته لقراءته، وذلك عبر النظر إليه نظرة الحياد. فلكل ثقافة مكنوناتها ومدلولاتها، فالمسلم مثلاً يختلف عن المسيحي واليهودي والهندوسي. فحين نقرا نصا مسيحيا علينا ان نتاكد من ان افكارنا الاسلامية موجودة على حافة النص او على الاقل على حافة عقولنا. وعلينا ان لانعتقد بان الصواب دائما إلى جانبنا كوننا قد نشأنا على نمط واحد من القراءة وهي تلك التي تعتمد على الوقوف في منتصف النص والتطلع اليه من الاعلى وهو تحت اقدامنا. هذا النوع من القراءة لن يثمر إلى الهدف المقصود منها، الا وهو الوعي.
القراءة ليست اذاً ربط الحروف والجمل المكتوبة, بل هي القدرة على قراءة النصوص المرئية والمحسوسة بشكل موضوعي. وهذه القراءة كذلك تعني جب الفروق والابتعاد عن التحيز, وتعلم الانصات.
القراءة تعني كذلك التعامل مع كل نص بما تقتضيه الحاجة وان نعترف احيانا بعدم فهمنا وان لا نعمم فهمنا على كل النصوص والمواضيع. وان نقرأ يعني ان نفهم ونتفهم وننصت بكل حواسنا، فالقراءة لم تعد للعين والعقل فقط، بل أصبحت للقلب كذلك.