أحسب أني كغيري من الزملاء الكتاب.. كنا نعاني من صعوبة التوقف عن الإطالة في كتابة المقال.. إلا أن البعض من الزملاء هنا بالصحيفة «الجزيرة» تأقلموا مع تهذيب المقال لعدم الإطالة مهما كانت أهميته ونوعيته لكيلا يزيد على 350 إلى 400 كلمة. وهذا ليس كرما منهم ولكنه ربما يكون إيحاء من رئيس تحرير الصحيفة. أقول ربما.. لارتباط الصحيفة بمواد أخرى وهو محق إذا أوعز للبعض بـ»الاختصار».. فأين القارئ الذي لديه متسع من الوقت لقراءة مقال لا يقل عن 1000كلمة وإنني من مؤيدي قصر المقال, ليأتي شيقاً ورشيقاً وأنيقاً وهادفاً وغير ممل.. بينما لو نظرنا لمقالات أساتذة بفن المقالة في العالم العربي لوجدنا أن مقالاتهم كما لو كانت تغريدة تويترية.. لذلك نجد أن البعض لدينا انتهج سمة المقال القصير, فأضحوا أساتذة بهذا المضمار المهني لمعالجة لواعج هموم اجتماعية ووطنية.. أتت بمقالات جميلة بحسن التصويب والترغيب, مما خلق شغف المتابعة لدى القارئ الراغب بقصر المقال دون متاهة, ليستدل في ثنايا النص ما يخص شأنه كقارئ يلتمس ثقافة المعرفة لما يدور حوله وحواليه في محيطه العربي من أخبار وما تشكله رؤية الكاتب حيال ما سيأتي به من نقد ذاتي بالشأن العام..
هذا الكلام لا يعني الإقلال من شأن الزملاء الكتاب بقدر ما هو ثناء عطر فيما يحبرونه بالطرس بغرس أقلامهم لنتاجهم الذي لا يقل عما يكتبه كتاب عرب آخرون. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن الأمانة تقتضي القول: إننا في زمننا الحاضر نعيش ومضة من ومضات متنفس الكتابة بحرية, وإن لم يكن هذا الأمر غيركاف, وإنما نطمح للمزيد, المتماهي مع عصر الانفتاح المعلوماتي وعصر وسائل التواصل الاجتماعي وما أحدثته التكنولوجيا من تسهيل وصول المعلومة بكل يسر وسهولة للقارئ والمشاهد الذي لا يخفى عليه شيء.
لذلك حينما أطالع كتابات الزملاء الكتاب هنا في آرائهم أو زواياهم وأشرع في قراءة للبعض منهم أجدني أعيدها ثانية وثالثة. وقد أخذت بمجامع قلبي ببضع كلمات, لكنها في الصميم تشفي ظمأ من يستطب ارتشاف مذاقها الهادف الجميل وهذا مما خلق قاعدة كبرى أو شريحة عريضة من القراء للكاتب نفسه, ومن ثم للصحيفة التي استكتبه ليكون ضمن جوقة كتابها ذوي الفكر المستنير والمداد المثير جمالاً والذين لا أريد أن آتي على أسمائهم، فالقارئ هو الحكم فيما يكتبه هذا أو ذاك.
أكتب لكم المقال وعيناي على عداد الكلمات بـ»الوورد» بتوخي الحذر, حتى لا أدخل في معمعة الإطالة. فزبدة الكلام تكمن في الخاتمة وتكون الرسالة وصلت إلى القارئ. وبمعنى آخر أقول: إن على الكاتب أن يأتي بالاختصار الذي بدوره يستوجب مغادرة المقال تحاشياً عن الإطالة.. وكفى.