إن الإيمان بالأهداف الوطنية الاستراتيجية من قبل الأجهزة الحكومية عناصر أساسية لمواجهة التحديات الكبيرة ومعالجة المشكلات المزمنة وتحقيق تطورحقيقي على مسار التنمية الوطنية. فالمشكلات التي يعانيها المواطنون باتت معقدة ومتداخلة وتتطلب حلولاً شمولية تتداخل فيها جهات عدة، ولم يعد باستطاعة جهة واحدة العمل بمفردها كما كان سابقا. لذا فإن المتغيرات السريعة والتطور التقني المهول يحتم إعادة النظر بأسلوب إدارة المجتمع وطريقة الأداء الحكومي وطبيعة ونوعية الخدمات المقدمة. هناك حاجة ملحة إلى حلول إبداعية ومبادرات مشتركة جريئة خارج النمط المعتاد تنظر للأمور من حولنا بطريقة جديدة وتستجيب للمتغيرات بفاعلية وكفاءة. لم يعد يكفي تقديم الخدمة بطريقة روتينية مجزأة، لم يعد يكفي الإنفاق السخي، لم يعد يكفي تأدية العمل بجد واجتهاد بأسلوب بيروقراطي عقيم، فالمطلوب العمل بذكاء وإبداع وشمولية وتحقيق أهداف وطنية بعيدة المدى.. ولكن في ظل سيطرة ثقافة الاستحواذ والتحوصل الإداري وانكفاء كل جهاز على ذاته وتشرنق بيروقراطي جعل كل جهاز من أجهزتنا الحكومية يعمل على مشاكله وكأنه دولة مستقلة، وكمثال للتشرنق مما أريد إيراده في موضوع مقالي هذا ما قامت به أمانة منطقة الرياض من عنونة لمدينة الرياض مع وجود عنونة فريدة قام بها البريد السعودي لا مثيل لها في أرجاء العالم، أخذ عليها براءة اختراع وحصل على شهادة (المعيار الدولي للعنونة) وأصبحت نموذجاً يستعين به UPU (اتحاد البريد العالمي) في مساعدة الدول التي تسعى إلى إيجاد عنوان معياري حصري لكل وحدة مبني على أساس رقمي الكتروني مرتبط بإحداثيات جغرافية الالكترونية.. والغريب أن المقام السامي عمم للجميع بأن يكون العنوان البريدي هو العنوان الوطني وألا يعتمد سواه، إلا أن أمانة مدينة الرياض لم يعجبها ذلك!! واعتبرت أن العنونة شأن داخلي لا يحق لأحد التدخل فيه!!
وحتى لا أستغرق في التحسر والبكاء على هذا الوضع المأساوي سأدخل في صلب موضوع الرسالة لأمير التربية والتعليم..
تعلمون أن من أهداف مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم العام تحسين البيئة التعليمية وتأهيلها وتهيئتها لإدماج التقنية والنموذج الرقمي للمنهج وإدارة المدرسة وإدارة التعليم؛ لتكون بيئة التعليم بيئة محفزة للتعلّم من أجل تحقيق مستوى أعلى من التحصيل والتدريب والمتابعة أيضا من قبل المسئولين عن التعليم في المنطقة والدولة ككل، وتعلمون أن البريد السعودي قام بعنونة جميع مدن ومحافظات ومراكز المملكة، وقد تم بناء العناوين بطريقة ذكية، مما أتاح لها أن تكون دقيقة، بل وأن تصل دقتها إلى عنونة لكل متر مربع على ارض المملكة، كما وفر نظام العنونة بنية أساسية تسهل قيام تطبيقات عديدة منها الحكومة الالكترونية والتي حصل البريد السعودي على جائزة عليها مؤخرا، وهو عنوان حصري لكل وحدة سكنية وهو مبني على أساس رقمي الكتروني مرتبط بالإحداثيات الجغرافية حيث أتاح إسقاط جميع العناوين في المملكة على الخرائط الجغرافية الالكترونية وأصبح العنوان البريدي السعودي موجودا في خرائط Google وغيرها من الخرائط العالمية مما مكن الجميع من تتبع العنوان وخط السير للمركبات بالاعتماد على العنوان البريدي السعودي على شبكة الانترنت وعبر أجهزة الحاسب الآلي الشخصية والهواتف النقالة. تأسيسا لما سبق فاني أود طرح اقتراح لبرنامج الالكتروني خاص بالمدارس يعتمد على تسجيل عناوين سكن الطلاب وهيئات التدريس ويكون مرتبطاً بإدارة التعليم ومن ثم الوزارة، وتركيب أجهزة تتبع خاصة بالمركبات معتمدة أيضا على العنوان البريد، يمكن من خلالها معرفة خط سير هذه المركبات وسرعتها عبر غرف تحكم تحوي شاشات وأجهزة اتصال في كل منطقة من أرجاء المملكة لهذه المركبات والتي تعمل الوزارة من خلالها لتوصيل ما يفوق المليون طالب وطالبة في أسطول قد يصل كما سمعت إلى ثمانين ألف مركبة «والبريد السعودي لديه هذه التجربة مع مركباته يمكن الاطلاع عليها».. ومن الفوائد التي تحضرني الآن لهذا البرنامج الالكتروني الآتي:
- قد تفيد الرموز البريدية التي تتبع كل مدرسة في عملية قبول الطلاب القاطنين في نطاقها
- فائدة الرموز البريدية في عملية الإحصائيات و الدراسات الديموغرافية كمعرفة كثافة السكان و نطاق توزيع الاحتياج من مدارس و غيرها لكل رمز أو حي.
- معرفة مواقع المدارس، بل الصورة الطبيعية للمدرسة عبر «قوقل إرث».. (توجد شراكة بين البريد السعودي وقوقل).
- معرفة مقر إقامة كل طالب تساهم في أعمال الطوارئ أو إعادة الطلاب إلى منازلهم.
- زيادة التواصل مع أولياء الأمور من خلال مخاطبتهم على العنوان عبر مراسلتهم عن جميع الأنشطة المدرسية.
- استخدام النظام في النقل المدرسي خصوصا بعد طرح وزارة التربية والتعليم منافسة تنفيذ وتشغيل النقل المدرسي و أهمية العنوان في عملية نقل الطلاب و معرفة مقر كل طالب أو معلم.
- المساعدة في تطبيق نظام التتبع الخاص بتتبع المركبات، وأهمية تطبيق نظام تتبع المركبات على جميع حافلات النقل المدرسي في القطاعين العام و الخاص عبر إلزام المركبات بالأجهزة.. وفائدة ذلك في مجال نقل الطلاب والطالبات وكذلك المعلمات خصوصا بين المدن والقرى، حيث يمكن معرفة خط السير وسرعة المركبة وخلافه، لعلنا نتجنب بعض الحوادث الفظيعة للمعلمات.. بل إنه يمكن تركيب كاميرات داخل تلك الحافلات إذا دعت الحاجة، ويمكن أيضا إنتاج تطبيق يتيح للبرنامج إرسال رسالة لولي أمر الطالب أو الطالبة يبلغه بوصول الطالب لمنزله، فالبريد السعودي لديه هذا التطبيق حيث تصل رسالة لصاحب السكن في أي مكان في العالم عن وصول رسالة لمنزله إذا شاء.. كما أن لدى البريد السعودي أجهزة تستخدم للمركبات تعتمد على العنوان البريدي توضح الطرق والإحياء والمباني، بل توضح أفضل وأسهل الطرق للوصول للهدف، كما لديه برنامج (المحدد Locator) http://www.locator.com.sa/Locator/ يمكن عن طريقة معرفة العنوان وموقعه وصورة حية عنه بإدخال رقم المبنى الموجود على كل المباني واسم الحي.
سمو الأميرخالد الفيصل.. إن المتتبع لسيرتكم يجد إنساناً وثيق الصلة بربه، قوي الاعتماد عليه، ينادي بالحلول الإبداعية بعيدا عن البيروقراطية العقيمة، ومشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم يحتاج إلى تهيئة بيئة تعليمية نموذجية تتبنى الأساليب التقنية الحديثة لتبني الخطط المدروسة والمعتمدة على بيانات مرصودة ويقينية مثل معرفة أماكن سكن الطلاب والطالبات وهيئات التدريس ليتمكن سموكم شخصيا أو أي صاحب قرار في اتخاذ أي قرار في تدشين مدرسة أو نقل معلمة أو خط سيرحافلة أو متابعة حادثة لمركبة لا سمح الله بضغطة زر..
سمو الأمير.. لعل تخصصي في درجة الماجستير في الإدارة التعليمية من جامعة USC والذي كان يتمحور حول تهيئة البيئة التعليمية الخلاقة التي من خلالها يمكن تحقيق الأهداف المرجوة حسب البيئة والثقافة الخاصة بكل مجتمع، جعلني أتطلع بحماس لمشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم، فليس مطلوبا منا أن نكون مثل أي نموذج تعليمي عالمي حتى وإن تفوق، بل قد نكون أنموذجاً فريداً على مستوى العالم نتبنى الأساليب الحديثة الخاصة بنا والمراعية لثقافتنا وبيئتنا ويتسابق الآخرون للأخذ منا .. والله من وراء القصد