الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
ثمَّن عدد من الأئمة والخطباء مبادرة وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل بتكريم الوزارة عشرين خطيباً من الخطباء المتميزين كل ستة أشهرفي مختلف مناطق المملكة، وأن يتم التكريم وتوزيع الجوائز في حفل يُقام بشكل دوري، وقالوا: إن هذه المبادرة تأتي في إطار سعي الوزارة وخططها لتحقيق المسجد رسالته السامية في تعريف الناس بأمور دينهم ودنياهم، والمساهمة في رقي المجتمع وتطويره وأمنه واستقراره؛ لنصل إلى خطبة جمعة أكثر تميزاً وتفاعلاً مع حاجات المجتمع الدينية والدنيوية. مؤكدين أن الخطبة بموضوعاتها الوسيلة المثلى التي يسمعها عموم المسلمين كل جمعة لتبصيرهم، وتوعيتهم في مختلف قضاياهم المتنوعة. جاء ذلك في تصريحات لهم، فيما يأتي نصها:
مواكبة الواقع
بداية، يؤكد الدكتور محمد بن إبراهيم الرومي، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك سعود، أنها «خطوة مباركة، لا أعرف أنها سُبقت من قبل.. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على اهتمام معالي الوزير الدكتور سليمان أبا الخيل بالارتقاء بالخطباء، ومواكبة الواقع، مع الحفاظ على ثوابت هذه الدولة المباركة، التي عاهد فيها خادم الحرمين الشريفين الله سبحانه وتعالى أن يتخذ القرآن دستوره. وخطب الخطباء في الجمعة تتخذ من كتاب الله العزيز وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - منهجاً؛ ففي التمسك بهما عدم الضلال، والسير عليهما منهج الوسطية المعتدل الصالح لكل زمان ومكان؛ فلا غلو ولا تفريط.. وهذا الواجب على الخطباء بيانه للناس؛ ليكونوا على بصيرة ودراية في دينهم وواقعهم».
تكريم المتميزين
ويقول الشيخ سليمان بن عبدالرحمن الثنيان، قاضي استئناف ورئيس المحكمة العامة بحفر الباطن وإمام جامع الأمير محمد بن عبد العزيز: إن منبر الجمعة لدى المسلمين مدرسة عظيمة، يتعلمون من خلال درسه الأسبوعي أحكام دينهم ودنياهم وما يصلح شؤونهم وما ينظم علاقاتهم مع من يعيشون بينهم، وكذلك مع الدول الأخرى، اقتداءً بنبينا - صلى الله عليه وسلم - والسلف الصالح من بعده. وقد تكون هي المدرسة الوحيدة لكثير من الناس، وينتظرون هذا الدرس الأسبوعي بكل شوق وشغف تعبداً لله وطاعة له؛ لذا فقد اهتمت هذه الدولة المباركة بهذا المنبر والخطيب اهتماماً عظيماً. وقد كان لمبادرة وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف الدكتور سليمان بن عبد الله أبا الخيل في بداية قيادته لهذه الوزارة بتكريم عدد من الخطباء المتميزين كل فترة حافزٌ مهمٌّ، يدفع الخطباء إلى بذل الجهد في أداء هذه الرسالة العظيمة من خلال هذا الثغر.
وهذا ليس بغريب منه؛ فهو رائد من رواد العمل الإسلامي. وسيكون لهذه المبادرة الكريمة أعظم أثر للتنافس بين الخطباء، بما يعود بالنفع على المجتمع. أسال الله - عز وجل - أن يوفق معاليه لخدمة هذا الدين، في ظل الدعم المبارك من القيادة الحكيمة.
التأثير القوي
ويوضح الشيخ حمدان بن لزام الشمري، خطيب جامع النور بحفر الباطن، أن منبر الجمعة يُعدُّ من أقوى المنابر الإعلامية التي لها تأثيرها في النفوس، واجتماع الناس فيه فرصة للتوجيه والإرشاد والوعظ والنصح. ومن هنا تأتي أهمية هذا الإعلان؛ فإن له تأثيراً قوياً في نفوس الخطباء؛ إذ يبعث روح التنافس والتميز في اختيار موضوع الخطبة، وتبسيطه، وصياغته، وحسن عرضه.. فالخطيب المتميز يزداد عطاءً وأداء، والخطيب الكسول يحاول التحسين من اختياره وأدائه.
ولا شك أن في بلادنا خطباء متميزين، استفاد منهم الناس كثيراً في طرحهم، ومعالجتهم لقضايا المجتمع؛ فهم يستحقون الإشادة والإكرام.
وعدَّد الشمري أبرز ما يجب أن يتصف به الخطيب:
1 - الإخلاص لله تعالى، فهو أساس الأعمال، والسر في بركته. قال بعض العلماء: كن صحيحاً في السر تكن فصيحاً في العلانية.
2- التقيُّد بالسُّنة في الخطبة بأن تكون قصيرة، شاملة للموضوع، مستوفية لجوانبه المهمة.
3 - الإكثار من الاستدلال بنصوص الكتاب وصحيح السنة، وترك الآثار المكذوبة، والأخبار المرسلة.
4 - القراءة الشاملة في موضوع الخطبة قبل صياغته، لاستيفائه والإلمام به، فإن كانت حادثة فلا بد من التأكد منها، والتثبت، وعدم الانسياق وراء الشائعات. 5 - الصياغة المناسبة للحضور، ومخاطبتهم على قدر عقولهم، بلا تعقيد في الألفاظ، وإغراق في السجع المتكلّف.
6 - الاهتمام بسلامة اللغة، ومخارج الحروف، وحسن الإلقاء، خاصة فيما يتعلق بنصوص القرآن والسنة.
7 - اختيار مواضيع من واقع الحياة التي يعيشها الناس؛ إذ إن خطبة الجمعة هي الشارحة لأحداث الأسبوع، المبيّنة للأحكام الشرعية التي يحتاجون إليها. 8 - حسن الهندام والمظهر بلا مبالغة في ذلك، فهو أحرى للإنصات له.
9 - اللين والرفق والتلطف مع الناس؛ فذلك أدعى لاستمالة المستمع وإقناعه.
10 - التجديد في افتتاح الخطب، وختمها، والدعاء في آخرها، وعدم التزام ألفاظ معيّنة لطرد السآمة والملل.
العمل المبارك
ويقول الشيخ عمر بن عبدالله الثويني إمام وخطيب جامع ابن باز بالقريات: لا شك أن هذه خطوة متميزة وعمل مبارك؛ إذ إن الشكر عمل صالح كما ثبت في الحديث الصحيح (لا يشكر الله من لا يشكر الناس). وفي التكريم دعوة للتنافس على الخيرات، وحث على التطوير، وعدم لزوم طريقة واحدة تورث الملل عند المستمع. كما أن التكريم إجلال لمن بذلوا النصح، وكرسوا جهدهم سنوات لدعوة الناس للخير، وحثهم على كل ما يقرب إلى الله سبحانه، ويجمع الكلمة على الحق، ويبعد عن الشقاق. ومن وجهة نظري القاصرة، فإن أول ما يميز الخطيب هو العلمية القوية، وحسن الاستشهاد والاستدلال بأدلة الكتاب والسنة، وسلامة المعتقد، ووضوح المنهج لكل من يستمع إليه، والبعد عن كل ما يثير الناس ويشوش عليهم في مسائل الشرع، والأخذ بما يفتي به كبار العلماء مع تقديم الدليل الصحيح والأخذ به، والنأي بالمنبر عن أن يكون ساحة للمعتركات السياسية والتحليلات الإخبارية، فالناس ما وفدوا للجوامع إلا استجابة لنداء الله وطاعة له، فمن حقهم أن يستمعوا لكل ما يقرب إلى ربهم، لا لما يشغلهم إعلامياً ويجدونه في كل مكان، واحترام المستمع، وذلك بإعداد الخطبة إعداداً جيداً بما يناسب فهومهم، ويرتقي بهم، فلا يورد من الأدلة إلا الصحيحة، ولا من القصص إلا الثابتة؛ ما يورث مصداقية وثقة عند المستمع، وإظهار اللحمة ولزوم الجماعة وطاعة ولاة الأمر من العلماء والحكام في غير معصية الله، والدعاء لهم ليعلم المستمع أن هذا الأمر دين، وأنه سلوك عام، يجب انتهاجه، وحسن الرد على المخالفين والمشوشين على الناس بقوة الحجة وإلزامهم بها، والبعد عن السباب وإلحاق الألقاب والتصنيفات للناس والتشطير للمجتمعات. وأخيراً: لزوم النية الصادقة في كل ما سبق، والانتقال بها إلى غيرها. والناس تلمس من الخطيب شيئاً من ذلك؛ فتتأثر، ويدخل كلامه القلوب.
لفتة كريمة
أما الدكتور عدنان بن محمد الدقيلان، رئيس المحكمة العامة بمحافظة الخبر بالمنطقة الشرقية، فيؤكد أن هذه عناية بخطبة الجمعة التي هي مع صلاتها من شعائر الدين الظاهرة. ولهذا الإعلان أثر - بمشيئة الله تعالى - على الخطباء بتحفيزهم لإتقان خطبهم، والله يحب إذا عمل أحدنا عملاً أن يتقنه؛ ما ينعكس أثره باللازم على مستمعي الخطبة، ويحقق المقاصد الشرعية من الخطبة التي يجب الاستماع إليها لمن حضرها. فجزى الله معالي الوزير خيراً على هذا التحفيز واللفتة الكريمة بالأسلوب التربوي (الثواب قبل العقاب). وفي نظري، معايير الخطيب المتميز تكون في: أن يكون عدلاً على عقيدة ومنهج السلف الصالح، وملماً بالأحكام الشرعية، وملماً بقواعد اللغة العربية، والمقدرة على تنزيل الأدلة الشرعية وربطها بالواقع، وفصاحة اللسان، والثقة بالنفس، والقدرة على الارتجال، ووضوح الصوت، وملتزماً بالأوامر والتعليمات الصادرة من ولي الأمر، والعناية بالاستدلال بالأدلة الشرعية من كتاب الله وصحيح السنة النبوية وصحيح القصص والآثار عن السلف الصالح، وشمولية الخطب لعلوم الشريعة في السنة الواحدة للعقيدة والتفسير والسنة والفقه والرقائق والتاريخ الإسلامي، وملكة التشويق للاستماع إليه بأن يكون قدوة صالحة مؤثراً في مستمعيه بأفعاله قبل أقواله، والخلق الحسن، وحسن اختيار الموضوع، ووسطية المنهج بين الغلوّ والتطرف، وبين التفريط والجفاء، والتمهل بترك العجلة والاندفاع والغيرة والحماس غير المنضبط بالشريعة، ويحمل هم التغيير والتأثير في المستمعين لفعل الأوامر وترك المناهي، والإقناع باللين والحكمة، وسرد الأدلة العقلية المؤيدة، وضرب الأمثال، وتقريب الفكرة للمستمع بأقرب طريق، والنزول لمستوى عقول ومدارك المستمعين بالبعد عن التفيهق والإغراب في الألفاظ.