رغم أن الإعلان عن الميزانية جاء في ظروف دولية واقتصادية ومالية صعبة وتمثل تحدياً لأكبر اقتصاديات العالم، إلا أنها لم تكن هي الأولى من نوعها بالنسبة للمملكة، فحين تعرض العالم للأزمة المالية في عام 2008م وما تبعها من انخفاض كبير في الإيرادات في عام 2009م، كانت المملكة في حينها من أقل الدول تأثراً بتلك الأزمة.
وقد حرصت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده وسمو ولي ولي العهد، على دفع عجلة التنمية الشاملة والمستدامة وتعزيز أهمية ومكانة ومساهمة القطاع الخاص في مسيرة التنمية، ولذا أكدت التوجهات والسياسات الاقتصادية الناجحة للمملكة، على الاستمرار في مسيرة التنويع الاقتصادي، والانفتاح على الأعمال والعالم.
ففي الوقت الذي تضررت فيه اقتصاديات عدد من الدول المصدرة للبترول بسبب هبوط أسعار النفط، وبالذات تلك التي لا تمتلك اقتصاديات قوية وتعتمد بشكل رئيسي على أسعار النفط الذي يشكل أكثر من 90% من إيراداتها، نجد أن المملكة تجاوزت هذا التحدي من خلال عدد من المقومات الاقتصادية والمالية التي تم تأسيسها والعمل على تقويتها منذ سنوات.
من أهم تلك المقومات الاحتياطي النقدي الكبير الذي تمتلكه المملكة، والتي تقوم باللجوء له أحياناً وبالذات في حالات العجز في الموازنة والذي تجاوز 2.8 تريليون ريال، وكذلك متانة وقوة القطاع البنكي والخاص القادر على سد أي فجوة يمكن أن تحدث لأي سبب كان كما حصل في السابق.
إن قراءة متخصصة ومتأنية لأرقام الميزانية التي صدرت قبل أيام ستوضح عدد من الأرقام المهمة جداً التي تعطينا قراءة إيجابية، من هذه الأرقام النمو في القطاع الخاص الذي وصل إلى 5.7% وهذه نسبة متميزة جداً، هذا النمو في القطاع الخاص يفترض أن يعطي ثقة كبيرة، وهو ما عكسه إصرار المملكة في عملية السير في سياسة الإنفاق وإعطاء الفرصة لمشاركة القطاع الخاص في تمويل عدد من المشاريع وعمل شراكات خاصة لعدد من المشاريع.
تظهر أرقام الميزانية أيضاً توجهاً جديداً لدى الحكومة، ففي السابق كانت عملية الإنفاق الحكومي تتبع سياسة توسعية كبيرة، ولا يتوقع أن يكون هناك استمرار في هذا الزخم من الإنفاق، وبالتالي يعول على القطاع الخاص أن يقوم بدور كبير في سد هذه الفجوة، وهذه فرصة كبيرة للقطاع الخاص أن يقوم بدور فاعل ومهم في تنمية المشروعات ونموه.
القطاع البنكي هو من أوائل القطاعات المستفيدة من عجز الميزانية، والمتوقع أن يكون له دورٌ بارزٌ في سد هذه الفجوة، أي أن عملية الإقراض وتمويل هذا العجز من قبل القطاع البنكي سيعود بالفائدة على هذا القطاع وبالتالي على القطاع الخاص.
كما يتوقع أن يعود سوق الأسهم إلى التعافي الذي تأثر بصورة كبيرة من انخفاض أسعار النفط وأن يشهد ارتفاعات قوية في بداية عام 2015 وبالذات في الربع الأول حتى لو كانت أسعار البترول في نفس مستوياتها الحالية، كما يتوقع أن تكون البيئة الاستثمارية مشجعة جداً، وأن يدعم ذلك ارتفاعات كبيرة في أسعار البترول في النصف الثاني من العام 2015، وسيكون القطاع البنكي هو الداعم الأكبر.
كما أن هناك قطاعات سوف تستفيد من انخفاض سعر البترول والمقومات الاقتصادية الأخرى، مثل قطاع البتروكيماويات الذي يتوقع أن يشهد نمواً كبيراً خلال الفترة القادمة، إضافةً إلى عودة سوق الأسهم الخاصة إلى الانتعاش ونمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والاكتتابات للشركات العائلية، وكل ذلك سيكون له تأثير إيجابي على المستثمرين وثقتهم في الاستثمار في الأسواق المحلية.
ياسر الشريف - الرئيس التنفيذي لشركة مكين كابيتال المالية