«من يحب الذات ما يخلص لغيره». قالها فيما سبق أحد الشعراء. وهذا ينطبق على كثير من الناس، وليس منهم - فيما أحسبه والله حسيبه - الإنسان الوفي المحب لمنطقته ومجتمعه محمد بن سالم الراجح، تقبله الله في الصالحين، وجزاه عنا خير الجزاء؛ فقد أمضى عمره خادماً لمجتمعه من خلال الأنشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية والخيرية.. عاش في أواخر عمره يصارع المرض حتى أخذ الله أمانته خارج وطنه وبعيداً عن محبوبته (حائل) أمه الثانية، التي طالما دافع عنها، وطالب لها ولأهلها، الذين بادلوه حباً بحب ووفاءً بوفاء وعطاءً بعطاء. كتب الخطابات والشفاعات حتى امتلأت بها مكتبته. عرفته جاراً خلوقاً وزميلاً متعاوناً وأستاذاً لنا متطوعاً. ومن خلال هذا الرصيد من المعرفة المشرفة أستطيع القول: إنه لم يعش لذاته، بل عاش للنفع المتعدي، وتلك التي لا نطيق. إنها (همم الرجال)، ناهيكم عن أزماته الصحية المتكررة في آخر خمسة عشر عاماً من حياته، التي كان فيها متفاعلاً مع الأنشطة والقضايا كما كان في صحته أو أشد. إن التفاعل الكبير مع حدث وفاته يدل على مكانته في قلوب أهل حائل (الكرام)، والأثر الكبير الذي تركه لديهم، ومؤشر أيضاً على أن ما تقدمه من خير يكون له موعد يوم الجنائز (وتلك عاجل بشرى المؤمن). إنَّ اجتماع الجموع الغفيرة من المشيعين في جنازة (أبي سالم) في المقبرة حتى كاد وقت صلاة العصر حينها يدرك البعض وهم لا يزالون في المقبرة، في مشهد قلّ أن يكون له (نظير)، لم يأتِ من فراغ، وإنما أتى - فيما نحسبه والله حسيبه - من سنوات من البذل والعطاء والتضحية وحمل هموم المجتمع، وبذل الجاه، والسعي في كل ما يمكنه السعي فيه من أبواب الخير.. ولعل من أبرز أسبابه أيضاً - والعلم عند علام الغيوب - (إنكار الذات)، بل كان همه ( غيره). وإنني أهيب بمحبيه - وهم للوفاء عنوان - أن يقوموا بجمع أرشيفه الكبير، وإظهاره للاستفادة منه. كما أنه قد يستغرب البعض حقيقة من هذه الهالة التي صاحبت حالة وفاته، ولكن من يعرفه عن (قرب) لا يدركه هذا الاستغراب. وصدق من وصف الموت بقوله: (الموت فاتح باب الشهرة ومغلق باب الحسد). ولعل من استُثني من هذه، خاصة في جزئيتها الأولى، أبا سالم، فإن شهرته سبقت وفاته - رحمه الله -.
فسبحان من حكم وقضى، بإسكاننا الثرى بعد الفضاء.
رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وبارك في ابنه سالم وأخواته، وألهم زوجه وأهله وإخوانه ومحبيه وأصدقاءه الصبر والسلوان. إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ .
- أحمد بن إبراهيم الحماد