يتحدث الكثير عن موضوع (البطالة بين الشباب)، حيث إن نسبة المجتمع السعودي من الشباب تفوق 65% أو أكثر بالوقت الحاضر. هذا الهمّ يقلق المجتمع بشكل عام ويُعتبر من أكثر المواضيع نقاشاً وحساسية في الصحف والمنتديات وحتى في نقاشات بعض من ذوي الاختصاص, فالبطالة بحد ذاتها كمسمى وظاهرة عالمية هي لا شك ظاهرة كونية في العالم كله، لكنها هي المحرك اللولبي للبحث والجري عن الوظيفة التي هي مصدر الرزق للفرد في المجتمع، وهي بذلك ظاهرة كونية إنفاذاً لقوله تعالى في كتابة الكريم: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ} سورة الملك (15). هذا السعي هو نتيجة (البطالة)، لكن أن ترى بعينك بعضاً من أسباب هذه البطالة في مؤسسة حكومية أو قطاعات مهنية خاصة تعتمد على القوى الأجنبية هي محك حقيقي لبروزها، ولكن لو أخذت هذه البطالة بمعالجة جزئية لكل موقع برزت فيه يمكن بالتدرج القضاء عليها دون ضوضاء أو ضجيج إعلامي يرهق العقل ويدمر التفكير التصحيحي.
لا شك أن هناك من يقول إن الشباب بعد تخرجهم من برنامج خادم الحرمين الشريفين سيكونون أحد أسباب الضغط على المجتمع والرأي العام بإيجاد وظائف لهم حتى لا يكونوا عاملاً من عوامل البطالة والانحراف المجتمعي، ولتلاشي هذا في المستقبل نجد أن الجامعات السعودية تغلق نفسها في لوائح وأنظمة عفا عليها الزمن من جهة وتطبق في بلاد الشفافية والوضوح، فالجامعات السعودية بدون استثناء قد تكون أحد العوامل المسببة للبطالة بين خريجي برنامج خادم الحرمين الشريفين من حملة (الماجستير والدكتوراه)، وقد يستغرب البعض هذه المقولة أو قد يسمع بها لأول مرة، ولكن هذه الحقيقة التي يجب أن يكشف الغطاء عنها أمام وزير التعليم العالي الجديد معالي الدكتور خالد السبتي، ولا يمكن كشف المستور إلا لمن تمرّس وشرب في علم الإدارة والقيادة كل خفايا العمل التنظيمي من لوائح وأنظمة، ولعلّني أشير إلى نقطة ذات مغزى وهدف رئيس في عالم البطالة الشبابية، وهي:
إن الكثير من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية ذائعة الصيت والمكانة العلمية، وليست الجامعات الناشئة ممن تجاوزت أعمارهم الستين عاماً (أعطاهم الله الصحة والعافية) لا تزال تعج بهم الجامعات السعودية (بعقود سنوية تجدد) وهذا التجديد ينطلق من لوائح وأنظمة التعيين بالجامعات التي تتخذ مبدأ لجان التصويت عنصراً يُستند عليه في التعيين فيُستبعد الخريج ويبقى (المتقاعد المتعاقد قاعداً على كرسي العمل) وعلى قلوب محبيه برداً وسلاماً وعلى قلوب الشباب المتعطش للعمل هماً وغماً إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وذلك تحت غطاءات ومبررات مبدأ (الحاجة الفعلية له) رغم أن من بين الخريجين (بنين وبنات) ممن يحمل نفس هذه الدرجة الأكاديمية التي تغرّب من أجلها عن الوطن ما بين (8 - 10) سنوات وتحمَّل الأذى والخوف وتحمَّل البحث والتعب، إضافة إلى توفر بعض من هذه التخصصات المطلوبة في بعض القطاعات التعليمية التي أوفدت من منسوبيها في مجالات تعليمية مختلفة عادوا مدججين بعنصري (الخبرة والتأهيل الأكاديمي) يمكن أن يُستفاد منهم ليكون الحراك الوظيفي بين القطاعات الحكومية يخلق فرصاً بينهما بين الجامعة وبين الجهات الحكومية بالتبادل من مختلف الشهادات العلمية (الماجستير والبكالوريوس)، لكن عندما تكيّف اللوائح والأنظمة في الجامعات وفق التكتلات التصويتية ونظريات أخرى للأسف نتائجها الاستبعاد، فستكون بضاعة البطالة رائجة والظلم واقعاً (ولا عزاء للمثابرين والمغتربين)، وهذه حقيقة واقعة أعرفها عن قرب استبعدت متقدمة لإحدى الجامعات العريقة بالمملكة تنطبق عليها كافة الشروط في التعيين على وظيفة (عضو هيئة التدريس) وتحمل مؤهلات تعليمية أكاديمية من الولايات المتحدة الأمريكية وشهادتها معادلة رسمياً من (الإدارة العامة لمعادلة الشهادات الجامعية) بوزارة التعليم العالي استبعدت من الترشيح، وهي الوحيدة في التخصص (مرتين) في المرة الأولى بالطعن في الدرجة العلمية والتشكيك فيها أنها غير منتظمة، (وكان هذا التشكيك من عضو هيئة تدريس بنفس الكلية تخصصها متقاعد متعاقد) حتى ورد لهم من الجامعة الأمريكية ما يفيد أن الطالبة منتظمة رسمياً وهي مبتعثة رسمياً من الدولة وبموافقة الخدمة المدنية وتحت غطاء الملحقية الثقافية في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية، ولما تظلمت مرة أخرى واكتشفت اللجنة خطأها الكبير والطعن والتشكيك في (معادلة وزارة التعليم اعالي) للشهادة الحاصلة عليها استبعدت بتصويت تكتلي يتزعمه (أستاذ دكتور آخر متقاعد ومتعاقد بنفس الكلية والتخصص).. لماذا؟ لأنها ستحل محله بالجامعة وتدرِّس الطالبات وجهاً لوجه وهو يدرِّس عبر الدائرة التلفزيونية!!.. مما يؤدي إلى فقد مكانته الاجتماعية بعد أن بلغ من السن عتياً يعني بالمعنى الشعبي الدارج يريد (أخذ جيله وجيل غيره) وتقف وزارة التعليم العالي متفرجة وعاجزة عن التدخل (للأسف) في البحث عن الحقيقة، لأن الجامعات لا يتدخل بها الوزير مباشرة في رفع ظلم أو مناصرة مظلوم إلا من خلال رئاسة مجلس الجامعة في العديد من القرارات ذات الصلة في الجامعة وخططها العملية والعلمية، أما غيره من أمور فهي (مائعة ذائبة) بين الأقسام والكليات والمجالس العلمية ومجالس الجامعة فقط.. بمعنى مقولة الكوميدي المشهور التي يرددها أهل الشمال (حارة كل من أيده اله) لذلك نجد أن البطالة ستزداد نمواً مما يستفحل في المستقبل معالجتها ويجعل التغيير والتعديل في الكثير من الأنظمة مطلباً هاماً، فأتذكر أننا درسنا قبل أكثر من (50) سنة في المرحلة الابتدائية في كتب المطالعة وكان في تلك الفترة (منهج غير سعودي) بالصف الرابع أو الثالث الابتدائي يخص موضوعاً قصصياً للتلاميذ يحثهم على القوة وتحدي الصعاب والتضحية اسمه (من يعلق الجرس)، فمن يعلق جرس التغيير والتطوير في اللوائح والأنظمة بوزارة التعليم العالي حتى نحقق في القضاء على جزئية من البطالة نخشى تفاقمها واتساعها بسبب التحفظ على القديم في عصر التجديد والتطوير.. هذه بعض من حقائق ملموسة لا يمكن البوح بها من صاحب العلاقة حتى لا تفسد مسيرته التي يسعى لها، لكنني أضعها أمام معالي الوزير الجديد - وفقه الله - أنطلق من قوله تعالى: {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ} (88) سورة هود.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
مدير عام التعليم الأهلي - بنات سابقاً - وزارة التربية والتعليم - الرياض