الجزيرة - الرياض:
حينما أجرت الحكومة الكينية -مؤخرا- أول إصدار لسندات دولية بقيمة ملياري دولار، كان مرتبو الإصدار الرئيسيون من بنوك غربية وأفريقية كبيرة. لكن لاعبا جديدا ظهر في المشهد هو كيو.إن.بي كابيتال الذراع الاستثمارية لبنك قطر الوطني أكبر بنك في قطر. فبعد عقود نادرا ما شاركت خلالها البنوك من دول الخليج الغنية في صفقات خارج المنطقة بدأت تلعب أدوارا رئيسية في ترتيب صفقات سندات في الخارج وتتنافس مع بنوك عالمية تمارس أنشطتها منذ فترات طويلة.
ويرجع ذلك جزئيا إلى أن نمو البنوك الخليجية أتاح لها اكتساب خبرات فنية في السندات وهو ما جعلها تسعى للتوسع خارج أسواقها المحلية المزدحمة. وهناك عامل آخر يتمثل في أن الأزمة المالية العالمية جعلت بنوك الخليج ذات السيولة الوفيرة أكثر جاذبية أمام مصدري السندات في الخارج كمصدر لتمويل الاستثمار. وينظر هؤلاء المصدرون إلى البنوك الخليجية باعتبارها أفضل القنوات لجذب تلك الأموال. ولا يزال هذا الاتجاه في بداياته الأولى. فلم يكن هناك أي بنك خليجي في قائمة أكبر 25 مرتبا لإصدارات السندات على مستوى العالم بحسب بيانات لتومسون رويترز. ولا تزال البنوك الخليجية غير مهيمنة حتى في أسواقها المحلية. وأظهرت بيانات تومسون رويترز أن بنك أبوظبي الوطني الأعلى تصنيفا في الخليج جاء في المركز السادس بين أكثر المرتبين الخمسة والعشرين نشاطا لسندات دولية من مصدرين خليجيين العام الماضي. ومن البنوك الخمسة والعشرين كان هناك عشرة بنوك فقط من الخليج وتضمنت القائمة بنوكا من أوروبا والولايات المتحدة وآسيا يتصدرها إتش.إس.بي.سي.
ورغم ذلك شكلت الأعوام الماضية تغيرا كبيرا. ففي عام 2011 لم تتضمن قائمة الخمسة والعشرين بنكا أي بنك من الخليج على الإطلاق. ولكن في الوقت الحاضر انضمت بنوك خليجية مثل بنك دبي الإسلامي وبنك الرياض السعودي إلى المرتبين. وهناك دلائل على أن مشاركة البنوك الخليجية في أنشطة ترتيب إصدارات السندات أدت إلى زيادة المنافسة وتقليص الرسوم وهو ما جعل الأمر أكثر جاذبية أمام بنوك الخليج للمشاركة في أنشطة الترتيب خارج المنطقة. وتشير تقديرات تومسون رويترز وفريمان للاستشارات إلى أن الرسوم على ترتيب إصدارات السندات الدولية المقومة بالدولار في منطقة الخليج هذا العام بلغت نحو 0.22 في المئة من حجم الصفقات انخفاضا من 0.58 في المئة في 2010.
وساهم النمو السريع المدعوم بإيرادات النفط للقطاع المصرفي الخليجي على مدى السنوات القليلة الماضية في تعزيز مركز البنوك المحلية في مواجهة المنافسين الأجانب، حيث تضخمت الأصول المصرفية في دول مجلس التعاون الخليجي الست إلى 1.47 تريليون دولار في 2012 من 1.09 تريليون دولار في 2008 بحسب دراسة أجراها بنك قطر الوطني. وساعد ذلك البنوك الخليجية على استقطاب أعلى الكفاءات من المؤسسات الدولية على مدى العام السابق. فقد ترك مايكل كاتوناس موقعه في كريدي سويس ليرأس أنشطة الاستثمار المصرفية لبنك كيو إنفست القطري وانتقل سايمون بيني من رويال بنك أوف سكوتلند ليرأس الأنشطة المصرفية الدولية والأنشطة المتعلقة بالشركات لدى بنك الخليج الأول وتتضمن مسؤولياته أيضا سوق السندات.
ودعمت الأزمة المالية العالمية هذا الاتجاه حيث اضطرت بنوك أوروبية كثيرة إلى تقليص عملياتها في الخليج والتركيز على أسواقها المحلية في إطار إصلاح ميزانياتها العمومية. وبالمثل فإن تطبيق القواعد الصارمة المتعلقة برؤوس أمول البنوك في إطار المعايير العالمية بازل 3 على مدى السنوات القليلة المقبلة ربما يساعد بنوك الخليج ذات الأموال الوفيرة بينما قد تواجه بنوك غربية كثيرة نفقات مرتفعة. وفي الحقيقة فإن الصكوك ظهرت كمجال رئيسي تستطيع البنوك الخليجية من خلاله التوسع على المستوى الدولي. ورغم أن بنوكا أجنبية عدة لديها خبرة كبيرة في الصكوك فإن مقار البنوك الخليجية في دول ينتشر فيها النشاط المصرفي الإسلامي. وبعض تلك البنوك متخصصة فقط في المعاملات الإسلامية وهو ما يمنحها ميزة في تطوير عملياتها لترتيب إصدار الصكوك. وتعد ثلاثة بنوك من بين أربعة بنوك إسلامية في تركيا وحدات لبنوك خليجية وهو ما ساهم في توجيه دفة إصدارات الصكوك التركية صوب مرتبين من الخليج. وقامت بنوك خليجية بترتيب إصدارات سندات من بنك البركة التركي وبنك الكويت التركي.
وتتطلع البنوك الخليجية أيضا إلى ماليزيا التي تشكل ما يزيد على ثلثي حجم الصكوك العالمية وتايلاند وإندونيسيا للتوسع في أنشطة ترتيب إصدارات الصكوك. واستطاع بنك المشرق بدبي -الذي بدأ في ترتيب قروض مجمعة لكيانات تديرها الدولة ومؤسسات مالية في سريلانكا في 2011- المشاركة كمرتب لصفقة سندات أصدرتها الخطوط الجوية السريلانكية لأجل خمس سنوات بقيمة 175 مليون دولار الشهر الماضي. وشارك بنك قطر الوطني كمرتب أيضا. وقال راهول جويال المدير المشارك في بنك المشرق «تزايدت أنشطة أدوات الدخل الثابت في الخليج بشكل كبير.