موقف الملك عبدالله بن عبدالعزيز من دعم خيار الشعب المصري في الخامس والعشرين من يونيو كان صارماً وحاداً لدرجة أن ذلك الموقف بدد أحلام من كان يزعم أنه قادر على السيطرة على خيارات المصريين وارتهان قرارهم، سواء كانوا من قوى دولية وإقليمية أو كانوا من جماعات الشر الدينية، وكان موقف الملك عبدالله بن عبدالعزيز مرتكزاً على مُسلّمة لا حيدة عنها وهي أن مصر يجب ألا تتعثر في تنفيذ خارطة طريقها نحو المستقبل، وأن تستعيد دورها الريادي في منطقة مضطربة هي في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى (كبار) يضبطون أحلام الجامحين، ويجمعون ما فرقته دسائس الليل ومكر النهار، فكان الملك عبدالله الذي كانت له مواقف مشهودة طوال السنوات الماضية لجمع الفرقاء والمصالحة بين أشقاء جمعتهم الأخوة وفرقتهم المصالح. والرؤى السياسية في هذا السياق تأتي جهود الملك في المصالحة ما بين دولة قطر وجمهورية مصر وتنقية الأجواء من رواسب سنوات من الشحن والشحن المضاد؛ هوت بوشائج العلاقة بين الدولتين إلى مرحلة خطيرة؛ فبدأ لتجسير تلك الهوة بسلسلة من الإجراءات المتتابعة لتوطيد العلاقة بين الدولتين، وأصدر مناشدة للأشقاء في الدولتين لدعم مبادرة مصالحة؛ تجمع ما تفرق وتوحد الصف، ولأهمية هذا الملف لدى الملك فقد كان مبعوثه في اللقاء الذي جمع فخامة الرئيس عبدالفتاح السياسي مع الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني المبعوث الخاص للشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر؛ هو معالي رئيس الديوان الملكي والسكرتير الخاص للملك؛ خالد بن عبدالعزيز التويجري الذي عادة لا يعمل ولا يتحدث تحت الأنوار الكاشفة ولا فلاشات كاميرات التلفزيون، لكنه في هذه اللحظة كان تحت الضوء لأنه جاء رسولا من الملك، ليشهد نهاية هذه الأزمة، ولتكون رسالة واضحة بأن ملف المصالحة تحت متابعة وعناية شخصية من الملك، الجميع ممن يتمنون الخير لهاتين الدولتين الشقيقتين وشعوبهما يأملون أن تنجح المصالحة في إذابة الجليد وتنقية الصدور وأن تكون تلك التجربة المريرة عبرة لدول المنطقة وشعوبها؛ بألا تسمح لجماعة أو لأشخاص لهم رايتهم ومصالحهم الخاصة أن تعصف بعلاقات الأشقاء البينية، وأن يكون هناك خيط أخلاقي رفيع يجب ألا نتجاوزه مهما بلغت شقة خلافتنا السياسية التي لا يمكن القضاء عليها لأنها من طبائع البشر وإنما يمكن إدارتها والسيطرة على تداعياتها.
تلك الأماني والتطلعات الحالمة بوضع معايير أخلاقية غير مكتوبة لضبط خلافاتنا؛ لا يمكن أن تترجم على الأرض إلا بوجود شخصية محورية لها ثقلها واحترامها من الجميع، يتدخل وقت الأزمات الحادة بين الأشقاء ويضمن إدارة الخلافات العربية داخل جدران البيت العربي، وهو الدور الذي قام به ويقوم به خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي شكل نقطة ارتكاز وتوازن للعلاقات العربية، وضرب للجميع أمثلة عملية طبقها على نفسه عندما تغاضى في فترات سابقة عن الكثير من التجاوزات (المؤذية) التي وصل الأمر في بعضها إلى تدبير محاولات اغتيال ومؤامرات ودسائس؛ تجاوزها، لأنه مؤمن بأنه:
لا يحْمِلُ الحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُتَبُ
ولا ينالُ العلى من طبعهُ الغضبُ
كلنا نأمل بأن يكون لقاء الرئيس عبدالفتاح السياسي مع مبعوث خادم الحرمين الشريفين ومبعوث الشيخ تميم بداية لنهاية الأزمة وأن تتبع بخارطة طريق عملية تغلق كل الملفات المرتبطة بها وتنزع أي فتيل ممكن أن ينسف تلك الجهود المباركة لأن من مصلحة كل الدول الإقليمية بما فيها دول الخليج أن تبقى مصر دولة قوية وأن تعود إلى ممارسة دورها الريادي والقيادي في المنطقة، وأن تخرج من كابوس السنوات الأربع العجاف.