يشهد العالم موجة تقاعد عارمة تجتاح مواليد جيل الطفرة. فما الذي يعنيه ذلك على صعيد خسارة مصادر معرفة تقوم على الخبرة وتُعتَبر حيويّة لنجاح الأعمال- تتمثّل بالذكاء العميق؟ كشفت مؤسّسة أنّ الموجة المرتقبة المقبلة، التي تشمل نحو 700 حالة تقاعد، ستؤدّي إلى خسارة أكثر من 27 ألف سنة من الخبرة.
في عشرات المقابلات التي أجريناها مع مديري التكنولوجيا، ومديري أنظمة المعلوماتية وكبار مديري الموارد البشريّة لكتابنا الجديد بعنوان «نقل المعرفة الحيويّة»، اكتشفنا أنّ المديرين غالباً ما يجهلون ما خسروه إلى أن يرحل الخبراء عن شركاتهم. وقد سمعنا عن خسائر حيويّة في المجالات الأربعة التالية، مع الإشارة إلى أنّ التكاليف المرافقة لخسائر من هذا القبيل قُدِّرَت بما يزيد بعشرين مرّة على التكاليف الملموسة لتعيين موظّفين وتدريبهم.
أوّلاً، ينبغي التفكير في العلاقات. فبعد تمضية سنوات على تطويرها، باتت تسمح لخبير محنّك برفع السمّاعة والحصول على ردّ شخصيّ من الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات العميلة، أو على تحليل في الوقت المناسب من خبير في مجال مختلف. وكذلك، قد تتأذّى سمعة المؤسسة، لأنّ البديل القادم لن يتمتّع بمستويات الخبرة والمهارة العالية المطلوبة منه.
وماذا عن تكرار العمل؟ تكون الأفكار الجديدة قيّمة جدّاً في أغلب الأوقات. ولكن عندما يكون الخلف القادم مضطرّاً إلى تمضية الوقت على فهم خصائص منتج أو استيعاب إجراءات حيويّة، ومرغماً على تعلّم طرق لإنجاز العمل وفهم آليّة التفاعل بين وحدات المؤسسة، يتطلّب الأمر وقتاً كثيراً، ويُعتبَر تكراراً للعمل وهدراً للوقت.
ولعلّ أغلى أنواع المعرفة التي تتمّ خسارتها هي القدرة على التجديد، والقدرة على إطلاق المنتج الجديد التالي. وصحيح أنّ الابتكار هو وليد الأفكار الجديدة، لكنّه غالباً ما يأتي على خلفيّة سنوات من الخبرة والدراية في مجال تصميم وإنتاج نوع محدّد من المنتجات. ولن يتسنّى لك أبداً استخراج ونقل الذكاء العميق الذي كدّسه أحد الخبراء، ولكنّ تحديد ما ينبغي رصده يُعتبَر ضروريّاً، مع الإشارة إلى أنّ التخطيط المعمّق للخلافة، وبرامج مشاركة المعرفة، وحتّى مجرّد سؤال الخبراء قبل مغادرتهم هي خطوات إلزاميّة لضمان بقاء الذكاء العميق لمؤسستك داخل جدرانها. تُعتبر التكاليف الأربعة التي وصفناها واسعة الانتشار ومتفشّية إلى حدّ مفاجئ. وهي تعرّض شركتك للخطر الفوري والمستقبلي على حدّ سواء، علماً بأنّ تجاهلها سيكلّف المديرين ثمناً غالياً.
(دوروثي ليونارد إلى أستاذة فخرية لإدارة الأعمال من رتبة «ويليام جاي أبيرناثي» في «كلّية هارفارد لإدارة الأعمال»، وكبيرة المستشارين في مجموعة «ليونارد-بارتون». أمّا وولتر سواب، فأستاذ فخري لمادّة علم النفس، وعميد كلّيّات سابق في «جامعة تافتس».
من جهته، يعمل غافن بارتون مديراً لمجموعة «ليونارد-بارتون»، ومسؤولاً رئيسيّاً لشركة «جي بي» لاستشارات الأداء. وشارك جميعهم في تأليف كتاب بعنوان «نقل المعرفة الحيويّة»، الصادر عن «هارفارد بيزنس ريفيو»، 2015).
بقلم: دوروثي ليونارد، وولتر سواب وغافن بارتون