أحال د. حمد بن ناصر الدخيّل (الأحد 6-2-1436هـ) بعض المواضع إلى (المجمعة) في مقاله بهذا العنوان «من تاريخ المجمعة غير المدون». وهذا هو ما دفعني إلى المشاركة في توضيح بعض النقاط. يقول:
«يبدأ وادي المشقر مسيرته الطويلة من سفوح جبل العارض (طويق) الشرقية، المحاذية مدينة جلاجل وما حولها، وتغذيه مع انحداره شمالاً مع ميل إلى الشرق سيول ما ارتفع من سفوح طويق... والمشقر تسمية حديثة لواديها، وحداثتها ربما ترجع إلى قرون من الزمن لا يُعرف مداها».
وهو يذكر: «الاسم القديم لوادي المشقر...... ويعود الفضل لاكتشاف الاسم القديم لوادي المشقر إلى العلامة الجغرافي عبدالله بن محمد الشايع... [الذي] استشهد بقول جرير بن عطية بن الخطفى...:
عرفت ببُرقة الودّاء رسماً
مُحيلاً طاب عهدُك من رسوم
عفا الرسم المُحيل بذي العَلندى
مساحج كلُّ مرتجِز هزيم».
قال الأستاذ عبدالله الشايع: «وعندما كنت أسير مع الفجّ الذي يجري فيه أعلى وادي المشقر حاليّاً، واجتزت مَدفع وادي العمار ووادي الخيس في مجراه، بدأت أشاهد الرمال تتكثّف فوق المرتفعات الشرقية المتطامنه، فقلت: هذه- بلاشك- برقة الوداء، وقد صادف أن الأرض غِبُّ مطر، وتزدان بالنباتات، فشاهدت الإبل والأغنام ترعى كما شاهدت كثيراً من آثار المنازل، منها القديم ومنها الحديث، ولعل من بين آثار هذه المضارب تلك الرسوم العافية التي ذكرها جرير وبيته المتقدم». ويضيف قائلاً: «وعندما وصلت الطريق المسفلت (المزفت) الموصِل إلى الرويضة والخيس أخذت ذات اليسار، وهناك في مركز الرويضة قابلت الأخ الفاضل الشيخ سليمان بن عبدالله أبانمي، وهو من محبي التاريخ، وتستهويه الأماكن التاريخية والأثرية، وعندما سألته عن تلك الرمال التي توقفت عندها قال: هذه نسميها البرقة، عند هذا أدركت أني تعرفت على برقة الوداء، لهذا هو وادي الوداء، وهذه برقته».
قال جرير:
هل حُلّت الوداء بعد محلنا
أو أبكُر البكرات أو تِعشار
وليس بين أيدينا من الشواهد ما يذكر (وادي المِشقر). وهنا نأتي إلى اكتشاف الأستاذ/ الشايع، إذ يتبيّن من طريقة وصف الشايع الطريقة التي يتبعها في قياساته، وتحديداته، ورحلاته، واستنباطاته، وهي طريقة غير علمية، وإنما تعتمد على الحدس، والظن، والاجتهاد، وهو ما يدفع الآخرين إلى التورط معه في مثل هذه الاكتشافات، وإطلاق التسميات.
وأولاً، وقبل كل شيء، فإن (المجمعة) ليست من ديار جرير إطلاقاً، وإنما ديار جرير «الوشم»، وتحديداً «ثرمداء»، و«أثيفية» (اثيفيه)، و(مرات). ثم تتمدّد في (السرّ)، وتتجه نحو الجنوب الشرقي. ومن ثمّ، فـ«الوّدّاء» التي ذكرها جرير غير ما يحدده الشايع تماماً. وكيف غاب عن أ- د/ الدخيّل معنى قول جرير: «عفا الرسم المُحيل بذي العَلندى»، حتى يساير التعريف اللغوي لـ«العلندى»، فيقول:
«إن المطر الغزير المنهمر محا آثار المنازل ببرقة الوداء التي يكثر فيها العلندى، وهو ضرب من شجر الرمل له دخان كثيف». «العلندى»؟ أليست «ذات العلندى» موضعاً، يُنسب إليه ذلك الشجر؟ لقد استشهد أ- د/ الدخيّل بقول ابن لجأ في غزو يربوع دياره:
ألم تُلمم على الطلل المُحيل
بغربيّ الأبارق من حقيل
وبالودّاء يوم غزوتَ تيماً
سقوك بمِشرَب الكَدِر الوَبيل
ثم قال:
«يذكر أن قوم جرير غزوا قبيلة تيم قوم عمر في وادي الودّاء».
إذن، نحن لا نتجه صوب (المجمعة) إطلاقاً، وإنما نذهب عُلُوّاً صوب الجنوب الشرقي، حيث «حقيل»: وهو وادٍ معروف شمال شرق الدوادمي. وعليه، فإن «ذات العلندى» هي التي يحددها ابن جنيدل، عالية نجد، ج1، ص85، على أنها: «واد يقع شمال بلدة الشعراء، شرق ثهلان، يبعد عن الشعراء 10 كم تقريبا...يبعد عن الدوادمي غرباً 25كم».
وهنا نجد تقريباً للمواضع، في قول ابن لجأ، «حقيل، ثم «الوداء». وهذا يعني تجاور ديار القبيلتين الممتدين في هذه المنطقة. يقول الراعي، شعره، ص 141 (وكسن: تصحيف، صوابه، كُنّ):
تحملن حتى قلت (كسن) بوارحاً
بذات العَلَندى حيث نام المفاج
و«الوداء» هذه التي بالوشم، هي التي جاءت مصحفة في قول ابن لجأ، شعره، ص54:
طردناهم من (الأوداة) حتى حملناهم على نقوي حِدابا
ولدينا «البكرات» التي يقول عنها ياقوت: «البكرات ماء لضبة، بأرض اليمامة، وهي قارات بأسفل الوشم». ولم يكن ابن بليهد، صحيح الأخبار، ج1، ص51، بعيداً عن الصواب حين قال: «البكرات: بين القصب وثادق، من بلدان الوشم، وهي هضبات سود... وأعظم البكرات هضبة يقال لها: الغرابة، وهي سوداء». على الرغم من اعتراض ابن خميس، معجم اليمامة، ج1، ص172: «ثادق: ليس من الوشم». وانظر المنطقة الشرقية، ج1، ص338. ابن خميس، تاريخ اليمامة، ص44.
ويرى أ- د/ الدخيّل «يوم قشاوة» أيضاً في هذه المنطقة من اليمامة. وإنما هي، كما قال ياقوت: «مما يلي الرغام...(المروت)». وهنا تصحيف، إذ المقصود هو «مرأة» (مرات)، أي: بين عريق البلدان و(مرات). ولكن يجب عدم الخلط بين الموضع الذي قُتل فيه بسطام، والموضع الذي هو جزء من دياره، فالذي قُتل فيه بسطام، كما هو عند الجاسر، المنطقة الشرقية، ج4،ص1427- (وانظر، ج2،ص ص498- 509): «مما يلي العراق، حيث حزن بني يربوع».
هذه ملحوظة، أما الملحوظة الثانية على تناول أ- د/ الدخيّل، فهي متابعته للشايع في تعريف «تعشار» في قول جرير السابق، إذ يراها الشايع: «تِعشار: هي بلدة الشحمة المعروفة»، مخالفاً بذلك عدداً من العلماء منهم ابن خميس، معجم اليمامة، ج1، ص111؛ والجاسر، المنطقة الشرقية، ج2، ص ص498، 509، ج4، ص1752. وناصر الرشيد، في شعر ابن الطثرية، حاشية ص52. وكل ذلك لا يصح، وإنما الصحيح تعريف ياقوت: «تعشار: في ناحية الوشم»، أي: إلى جنب «البكرات»، أسفل الوشم، حسب تحديد ابن بليهد.
كما يثبت أ- د/ الدخيّل ما رآه الشايع من كون «أم الجماجم» ليست «تعشار» كما اتفق أولئك العلماء؛ «لأن أم الجماجم حافظت على اسمها القديم مع تغيير يسير»، ويذكر قول الفرزدق:
فلما أتى المعزى وأمصلت استُه
وحيدَ له الحفران من ذي الجماجم
وجاء في الأزهري، تهذيب اللغة، ج10، ص520: «الجماجم: موضع بين الدهناء ومتالع»، و»متالع» في تعريف الجاسر، المنطقة الشرقية، ج1، ص413: «الجبل المعروف، الواقع بقرب وادي المياه (الستار - قديما)، غربه». ويجتمع كل هذا على أن «الجماجم» أو «(ذو) جماجم»: شرق الدهناء، وشرق الحَفَر. فكيف عرفنا «أن أم الجماجم حافظت على اسمها القديم مع تغيير يسير»؟ وهي في الواقع وفق نص الفرزدق، وبناءً على تحديد الأزهري والجاسر غير معروفة الآن! ولكن أ- د/ الدخيّل يرى رأي الشايع، لمجرد ثبوت مثل هذا الاسم، وكم هي الأسماء المتشابهة في المواضع! أما وصف الشايع لطريق الفرزدق، فهو يتفق مع بقية أوصافه، بينما (أم الجماجم) ليست أرض تيه، حسب قول الفرزدق!
إذن، لا سبيل أبداً لأخذ ديار جرير إلى نواحي (سدير)، حيث «الكرمة»، أي: من العتك الأعلى جنوباً إلى رمال الثويرات شمالاً. فالإجماع على «أسفل الوشم»، واجتماع شعر جرير وأخباره على كون «الوشم» أُسّ دياره. أما قول عمارة بن عقيل: «الوداء: بالكرمة». فلا يعني اتفاقنا مع تحديد ابن خميس لـ«الكرمة»، على أنها «الهضبة التي تقع بها منطقة سدير، وما حولها شمالاً...»، وإنما تشكل المرتفعات بالقرب من «القصب» والداخلة في «الوشم» جزءاً منها. والسؤال الذي كان ينبغي طرحه هو: إذا كانت هذه الديار التي يريد أ- د/الدخيّل هي ديار جرير، فلِمَ لم يذكرها في شعره، وإنما لَهَج بالوشم خاصة؟
ولعل هذه المداخلة تكشف عن أهمية إخراج مجموع متكامل عن المواضع، وهو ما أعددته، وسيخرج قريباً تحت اسم «موسوعة المواضع وطرق القوافل في الجزيرة العربية»، على الرغم من الحيلولة دون نشره.
- د. فضل العماري