ليس من السهل أن يكتب المرء عن زياد أبو عين، فالرجل ليس شهيداً وحسب، إنه قائد ومناضل وأسير محرر، وهو فوق ذلك يتدفق بحب الأرض التي ترجل من أجلها.
كل كتابة عنه ستكون ناقصة، لأن قضيته لم تكتمل بعد.
ذلك أن (أبا طارق) لم يكن في حياته وفي التزامه مجرد شخص اختار طريق الجهاد والنضال والمقاومة، بل كان إلى جانب ذلك نموذجاً بارزاً لجيل فلسطيني كامل هو جيل مقاومة المحتل من خلال الكفاح المسلح، ومن خلال تمثيله لهذا الجيل، ومن خلال تعبيره عنه بالبندقية المقاتلة والعبوة الناسفة اكتسب قيمته كمناضل ومعلم ورمز لهذا الجيل.
أن يستشهد زياد أبو عين فهذا أمر طبيعي، فلقد استشهد في كل لحظة من لحظات حياته القصيرة زمنياً الطويلة جهاداً ونضالا، فسيرة نضاله من أجل وطنه وشعبه وقضيته العادلة كان الاستشهاد نهايته الطبيعية، وسيرة نضاله هي في الواقع حياته العملية كلها.
لقد طلب (أبا طارق) الاستشهاد لنفسه، وعمل له، وسعى إليه، لأنه آمن به، آمن بأن العمل لفلسطين لا حدود له، وأن فجر النصر آت لا محالة رغم الظلام الحالك الذي يلف الأمة، وأن الدم والمشاركة في الجهاد ضد المحتل لا تكون من بعيد، وأن هناك طريقاً آخر غير طريق الخنوع والاستسلام، أو القبول بالفتات أو انتظار ما يسمح به العدول الإسرائيلي بالتنازل عنه ألا وهو طريق الجهاد والاستشهاد.
لقد آمن زياد أبو عين بأن مقاومة المحتل لا معنى ولا أثر لها إذا لم تتجسد بالممارسة والسلوك اليومي، وأن مقاومة المحتل لا تتحمل المواقف الوسط، ولا المهادنة، ولا التأجيل، ولا الاستراحة، وأن الكلمة الثائرة لا تعرف المواربة، ولا الدبلوماسية، ولا التلفيق، ولا الاصطناع.!
لقد كان في زياد أبو عين من صدق المناضل وجرأته ما يعجز الواقع عن تحمله، يثير فيه من خلال تصديه لغول الاستيطان والجدار موجات متلاحقة من التأزم، فيجعل هذا الواقع قلقا مستنفرا يبحث عن الحقيقة بكل ما فيها من مرارة وعن الخلاص بكل ما فيه من تضحيات.
كان زياد أبو عين صورة من صور الحياة النابضة بالمقاومة والوطنية والطموح الخلاق، يرنو إلى العلا في كل مجال من مجالاته، ويتقن فن الجهاد والمقاومة ويحفظ دروسها عن ظهر قلب، ويلقنها لأبناء شعبه البطل.
لقد كان تلميذا واستاذاً في آن واحد.. فقد عظم المقاومة في فكره وعقيدته، وقدر العمل في نضاله وكفاحه اليوم، وسبق الآخرين بنظره الثاقب، فكان فارسا يجيد السباق في كل ميدان من ميادين الجهاد والنضال والعمل الوطني.
كان زياد أبو عين صاحب حجة قوية وعقل منظم وذهن وقاد، تتدافع الأفكار في رأسه كأمواج البحر، تتلاطم بعنف لتعود مرة أخرى إلى الأعماق في حركة مد وجزر واعية مستمرة لا تنقطع أبداً.
ويبدو أن العدو الصهيوني قد سبقنا بتقييم أهمية زياد أبو عين في حياته، حتى أخذنا الآن ندرك حقيقة عظمته بعد استشهاده، فالعدو أدرك أن زياد كان عاملا رئيسيا في جعل قتاله محببا للجماهير، مما يعني أن بقاءه سيكون من العوامل المساعدة على ديمومة المقاومة الشعبية، واستعداد الجماهير ورغبتها في أن تمدها بالمزيد من المناضلين.
من الصعب أن أرثي الشهيد زياد أبو عين بالكلمة، ومن الصعب أن أرثيه بالدمع الساخن لأن مآقينا جفت منذ عشرات السنين.
جفت مآقينا منذ أن وطئت أول قدم صهيونية ارض وطننا الحبيب.
جفت مآقينا منذ أن سقط أول شهيد فلسطيني برصاص العدو الصهيوني فلن نرثي بعد اليوم شهداءنا بل سنثأر لهم ممن قتلهم، من عدونا الأبدي والأزلي، سارق أرضنا وأحلام طفولتنا.
عاش زياد أبو عين حياة قصيرة، لكنها عريضة كما يقولون، ولم يكن ابنا باراً لأهله وعائلته وشعبه ووطنه بالمفهوم الأخلاقي للكلمة فحسب، لكنه كان ابنا بارا لشعبه ووطنه بالمفهوم الإبداعي للمقاومة أيضاً.
لقد علمنا زياد دروساً كثيرة في الانسجام والصدق والاحترام من أجل قضيتنا العادلة، وأول ما علمنا إياه هو أن الفلسطيني يفقد ذاته وحضوره الإِنساني في العالم والكون إذا كف عن أن يكون فلسطينياً.
ستبقى كل كتابة عن زياد أبو عين ناقصة، لأن قضيته هي قضية الشعب الفلسطيني كله، هي قضية الجيل الذي يصنع المسيرة وهي قضية لم تكتمل بعد، لقد كان زياد أبو عين في حياته شعلة مضيئة في زمن الظلام العربي الدامي فرسم لنا الطريق وأثبت بدمائه الطاهرة أن الشعب الذي يزرع أرضه بالتضحية لا بد أن يحصر النصر.
لقد خسرنا زياد أبو عين بإخلاصه وشجاعته وقدرته وجرأته، وبصوته المشجع ونبرته المحذرة وقلبه الواسع، وبصموده وعطائه الذي لا يلين، وخسرنا الأخ، ولسوف نفتقده كثيراً ونفتقده طويلا.
لقد استشهد زياد أبو عين وتركنا فجأة، ولكنها ليست مفاجأة على الإطلاق أن يستشهد (أبا طارق)، فالذي يعيش حياته كلها مناضلا تكون الشهادة نصب عينيه دائما وحين تأتي تأتي كجزء من العمل، تأتي كرمز لهذا العمل، تماماً مثل الرمز الذي حمله معه في كل لحظة من لحظات حياته، كل ما فعله زياد أنه أكمل الرمز حتى النهاية.
فهنيئاً لك الشهادة ووسامها يا زياد، ونم قرير العين، فإن رحلت عنا فسينبت فينا ألف زياد أبو عين نجوم في سماء الوطن وعنوان الأمل القادم، ولتظل ذكراك أنشودة فلسطينية متجددة على لسان الأطفال والأمهات، يزرعنها في الأبناء جيلا بعد جيل حتى تحين ساعة النصر بإذن الله.