بتاريخ 11 ديسمبر الجاري نظمت ديوانية الملتقى الثقافي التي أتشرف باستضافتها في منزلي ندوة حوارية تحت عنوان: «الإسلام السياسي والخيار المدني».. وقد شارك فيها الكاتبان والباحثان الدكتور خالد الدخيل والدكتور بدر الإبراهيم وأدارها الشاعر غسان الخنيزي.
الأمسية التي حضرها جمع غفير من الجنسين وخاصة الفئة الشبابية على اختلاف منحدراتهم الثقافية والفكرية والمذهبية والمناطقية. وقد كتب الصديق الدكتور جاسر الحربش في جريدة الجزيرة باستفاضة عن تلك الأمسية ومعانيها ودلالاتها الوطنية، فله كل الشكر والتقدير والامتنان.
لقد كانت الأمسية مثالاً ملهماً للوحدة الوطنية التي نتطلع إلى ترسيخ مقوماتها في وطننا وواقعنا الاجتماعي، حيث خلت التساؤلات والمداخلات من الإيحاءات المذهبية الفجة وكانت الأطروحات تنم عن حس مدني وقلق مشترك إزاء بعض مظاهر الفرقة والتباعد إن لم يكن التشاحن المذهبي المتبادل، والتي تذكيها بعض المنابر والقنوات وشبكات التواصل الاجتماعي وبعض الشخصيات المتخشبة القليلة العدد لكن ذات الصوت العالي (من الجانبين السني والشيعي) التي أدمنت بث خطاب الكراهية والتكفير والإقصاء إزاء الآخر المختلف مذهبياً وثقافياً وفكرياً حتى لو أدى ذلك إلى خراب الأوطان والمجتمعات، إلى جانب الخشية من تأثير وانعكاسات الصراعات والحروب الأهلية السائدة في بعض المجتمعات العربية والإسلامية، حيث تتصدر التنظيمات المتطرفة والإرهابية باعتبارها أدوات لتمزيق وتدمير وحدة النسيج الاجتماعي - الوطني أو ما تبقى منه وتذره وفقاً لهويات دينية ومذهبية ومناطقية وقبلية وهو ما يتضح على نحو جلي في العراق وسوريا واليمن وليبيا ولبنان ومصر وتونس والجزائر وأفغانستان وباكستان وغيرها.
سؤال الندوة المركزي في تلك الأمسية يتمثل في التالي: هل يمثل الإسلام السياسي البديل الواقعي الوحيد للوضع العام السائد الذي تكتنفه أزمات عميقة ومركبة وممتدة تطال الواقع المزري بمختلف جوانبه السياسية والاجتماعية والتنموية والثقافية والمذهبية والذي حول المنطقة العربية إلى مسرح للتدخلات السافرة من قبل القوى الدولية والإقليمية إلى جانب إسرائيل من أجل بسط هيمنتها وأجندتها ومطامعها ومصالحها على حساب العرب؟ أم أن صعود الإسلام السياسي هو أحد تمظهرات وانعكاسات تلك الأزمة؟.
السؤال الآخر المطروح هل هناك إمكانية لبلورة بديل أو خيار (مدني) ثالث، وإذا كان هذا البديل الثالث بات ضرورة الراهن للخروج من النفق المظلم والمتاهة والفوضى والصراع العبثي المدمر الذي يهدد بخروج العرب نهائياً من التاريخ فما هي مكونات ومقومات وبرنامج هذا البديل؟ في ظني أن صعود حركات الإسلام السياسي التي تختزل جواب الأزمة بشعار الإسلام هو الحل هو أحد تجليات وإفرازات هذا الواقع البائس، أنهما وجهان لعملة واحدة، واستعيد هنا قصة القس المسيحي الذي رفع يافطة كبيرة على جدار الكنيسة مكتوب فيها يسوع هو الحل.. فسارع أحد الصبية لكتابة تعليقه العفوي عليها لكن ما هو السؤال؟ عجز حركات الإسلام السياسي عن توليد البديل المدني الديمقراطي هو عجز تكويني بنيوي مرتبط بالمنظومة الفكرية الأيدلوجية التي يتكئ عليها حيث تسعى إلى تطويع وتحريف واقتطاع معاني ودلالات النص (الأول) المقدس المتمثل في القرآن والثابت الدلالة في الحديث والسنة النبوية بصورة نفعية ومفارقة، وبغرض فرض وتوظيف قراءات وتصورات وتقيمات بشرية لذلك النص، باعتبارها تمثل الحقيقة الشاملة والمطلقة والنهائية للدين.. حيث تأخذ صفة «الرؤية التمامية»، وهي بذلك ترفض كل ما عداها، ممن تدرجه خارج «الملة» ضمن خانة الإقصاء والتكفير والتفسيق، وصولاً إلى استحلال العنف والقتل والإرهاب بوجه مخالفيهم، وفقاً لمفهوم الفرقة الناجية، في ثنائية متطرفة (لا توسط بينهما) بين الحلال والحرام، الإيمان والكفر، النقل والعقل، حاكمية الله وحاكمية البشر. لذا يرفضون كل ما أحرزته البشرية في مسيرتها الطويلة والممتدة من منجزات حضارية وإنسانية، على الأصعدة والمستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والمعرفية والعلمية، وقبل كل شيء العداء بشكل مطلق لمفهوم الدولة المدنية، وما يتصل بها من وجود دستور، حياة نيابية، التعددية، التداول السلمي، مؤسسات المجتمع المدني.
جماعة الإخوان المسلمين التي تعد أكبر وأقوى حركات الإسلام السياسي والتي تأثرت بها جل حركات الإسلام السياسي (السنية والشيعية على حد سواء) تعد مثالاً ساطعاً على ذلك حيث كتب مؤسس الجماعة حسن البنا في مجموعة رسائله «إن الإجماع قد اتفق على أن الأحزاب المصرية -باستثناء حزبه بالطبع- هي سيئة الوطن الكبرى وهي أساس الفساد الاجتماعي الذي نصطلي بناره الآن». ويرى الحل في «أن تحل هذه الأحزاب جميعاً وتجمع قوى الأمة في حزب واحد». وبالطبع سيكون هذا الحزب هو حزب «الإخوان المسلمين». ومع أن الشيخ البنا لا يرفض النظام البرلماني بشرط توفر شرطين مهمين هما أولاً « بزوال الحزبية من النظام النيابي يصبح هذا النظام ليس بعيداً عن النظام الإسلامي ولا غريباً عنه».
والشرط الثاني أن تسفر الانتخابات عن اختيار نوع خاص من أهل الشورى ممن هم في نظره «يكونون إما من رجال الدين وإما من الرجال المتمرسين على القيادة مثل رؤساء العائلات والقبائل، ولا تكون الانتخابات بمقبولة إلا إذا أسفرت عن اختيار أناس من هذين الصنفين.
وللحديث صلة،،،