اثنين | ثلاثاء | أربعاء | خميس | جمعة | سبت | أحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 |
8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 |
15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 |
22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 |
29 | 30 | 31 | 1 | 2 | 3 | 4 |
5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 |
لعبت صقلية ولا تزال دورا مهما في الحوار الحضاري بين الشرق والغرب، سواء في ماضيها القديم أو في حاضرها الراهن، لذلك تبقى صقلية تغري بالسياحة وبالكلام في العصر الحديث، بالقدر نفسه الذي أغرت به الفاتحين في الماضي. إنها حاضرة العرب المسلمين، والرومان، والإغريق، والنورماند، في المتوسط قبل أن تصير جزءا لا يتجزأ من إيطاليا الحديثة، بشكلها الحالي. الرائحة المختلفة للعلاقة ما بين اليابسة والماء، وما بين الثقافات والأديان والبشر، جعلها ملتقى من الأرض شاهدا على ثراء معرفي وحضاري عبر الأزمان، لموقعها ما بين عالمين متجاورين ومختلفين، الشرق والغرب.
ثراء صقلية.. تمازج الحضارات
ذلك أن تاريخ العرب والمسلمين في جزيرة صقلية، قد اختلط بالتجارة والسياسية والعلم، مع من سبقهم إليها ومن تلاهم. وتاريخيا ما علا فيها نجم سياسي لأحد إلا هوى نجم آخر. الفينيقيون، ثم القرطاجيون، ثم الإغريق، ثم الرومان، ثم الأمازيغ، ثم البيزنطيون، ثم المسلمون، ثم النورمان، لكن الذي يرحل يرحل بالاسم وبختم السياسة لا غير.
وفي سائر الحالات التصنيفية، كانت صقلية جزيرة معطاءة للخير والجمال، ومهيأة للزراعة والبناء والتنظيم، ولاحتضان المختلف والمتنوع، خليطٌ بشري من شتى الأجناس والتنوع المعماري، ومن المعالم لسائر من حكموها وتبعتهم، حافظت عليه حتى يوم الناس هذا. حيث تمتزج فيها أثار العرب بغيرهم، ممن كانوا قبلهم، وممن جاؤوا بعدهم، فميزتها أن أحدا لم يلغِ فيها الآخر حضارياً، لا الغالب ولا المغلوب، وهذا أحد أسباب ثراء الجزيرة.
صقلية قطعة عظيمة من الجمال والتنوع، موجودة في المسافة ما بين الأرض والأرض، وما بين الماء والماء، وجودٌ متوازنٌ، منفتحٌ وليس منغلقا، وقد صنع لها مذاقها الخاص بها في كل شيء، إنسانها، طعامها، هواءها، ماءها، طقسها، حديثها، قصورها، أسواقها، بيوتها، شوارعها، حماماتها، جبالها، بحرها، لا يخلو موضع فيها من أثر ومحفل ومزاج.
لا يطلق سكان صقلية على مجيء العرب كلمة «غزو» أو «احتلال» إنهم يقولون: الفتح العربي الإسلامي، ويسردون قصته بروح منفتحة، فقد كان العرب والمسلمون مختلفين عن غيرهم ممن حلوا بتلك الديار، وذلك هو الفرق. ورث فيها النورمان ما بناه العرب من رخاء اقتصادي وانفتاح معرفي، وأضافوا إليه دون أن يطمسوا شيئا أو يلغوا سائدا، بل إن الحرية الدينية بلغت في عهدهم شأواً عظيما من التسامح والتعايش، ما جعل من صقلية سابقة إلى ما اتصفت به القوانين الأوروبية المعاصرة، وما حققته جهود التنويريين في أوروبا عصر النهضة.
لقد شكلت صقلية كيانا حضاريا يختلط فيه المشرق بالمغرب، يحسب لها في نهضة أوروبا الحديثة. وما زالت الجزيرة رغم ما يعصف بدول المتوسط الأوروبية من أزمات اقتصادية خانقة، تعصر على نفسها بعرقها وجهدها في التراب والماء، وتحضر في السينما والأدب والفنون، وتحتل مكانتها في روح الحياة الإيطالية لدى المقيم والسائح باسمها نفسه وروحها نفسها، صقلية، عروس المتوسط الساحرة.
صقلية.. الماضي التليد والحاضر المشرق
وبصفة صقلية هي كبرى جزر المتوسط وأغناها اقتصاديا لتنوع مناخها الجغرافي ما بين جبال وسهول، وأراض منبسطة، وأنهار جارية، وبحر محيط، انعكس كل ذلك على طبيعة العيش والإنتاج والسوق والعمل واليد العاملة. ونظراً أيضا لقربها الشديد من ساحل المتوسط الإفريقي، ومن تونس تحديدا، كان هذا المجال سببا منذ عهد الأغالبة للتبادل التجاري وسهولة التنقل البشري إليها. وفي الوقت الحاضر تُعَدّ الجاليتان المغربية والتونسية من أكبر الجاليات العربية في إيطاليا، بشكل عام، وعلى مستوى الأقاليم بشكل خاص، فالوجود العربي والإسلامي البارز لهاتين الجاليتين واضح المعالم في جوانب الحياة والاقتصاد والأعمال في صقلية، حيث يتعاطى المهاجرون العرب المهن والأعمال الحيوية والتجارية كافة هناك، ويبرعون بشكل خاص في المهن اليدوية كصناعة القوارب، والصيد البحري، وأعمال البناء، والتجارة، هذا التواجد الذي ميزهم عبر وقت طويل من خلال العمل، جعل منهم الجسر الرابط ما بين ثقافتين جارَتين، حتى إن الأعمال التجارية التي بين أيديهم هناك تحمل روح الشرق وتزاوجها مع روح الغرب، فالمنتجات التقليدية من المأكل والملبس والاحتياجات المنزلية، في تونس والمغرب العربي عامة، جميعها موجودٌ ومطروحٌ للعرض في أسواق صقلية اليوم، سواء في مدنها الكبيرة، أو في قراها الصغيرة، أو في بلداتها الكثيرة. ولإحياء الشعائر الإسلامية الخاصة بالمسلمين يقف العرب وراء توفير المتطلبات كافة لتسهيل ممارستها، على سبيل المثال ما يتطلبه تجهيز المساجد، وما يحتاج إليه المسلمون من لحم حلال وأزياء تقليدية، وغير ذلك.
ففي كبرى أسواق عاصمة الإقليم باليرمو، يحظى العرب بموقع متميز في حركة التداول اليومي للأعمال التجارية، وهم جزء لا يتجزأ من اقتصاد الإقليم، وبالمثل أيضا من اقتصاد بلدانهم، عبر تحويلاتهم المالية التي يقومون بها من العملة الصعبة.
اندماج المسلمين في صقلية
إنهم لا يعيشون معزولين عن عائلاتهم وبلدانهم، مهما طال بهم المقام خارجها؛ بل إنهم جلبوا كل ما تيسر جلبه معهم من تقاليد وعادات ومقتنيات، وحافظوا عليها من خلال اللقاءات في البيوت والمساجد وفي المناسبات الدينية. والدَّورُ الذي لعبته المساجد في كونها البيت الكبير الجامع للجالية العربية هناك، ويعدّ المسجد التونسي، والمسجد المغربي، كما يسميهما العامة، من أهم مراكز المدينة عبر دوْرهما الملحوظ في حياة المهاجرين عرباً ومسلمين، فهما بمثابة نقطة دالة للقادم الجديد هناك.
من ناحية أخرى انعكس ذلك الحضور العددي الهام للمهاجرين العرب على الحضور الثقافي للعربية ولهجاتها - وعلى ثقافة المأكل والملبس. فهناك حرص من الأسر العربية المهاجرة على تعليم أبنائها اللغة العربية، وترسيخ لهجاتها والتعريف بدينها وتقاليدها العربية الأصيلة، كما هي في الوطن الأم، ولذلك من غير المستغرب أن تصادفك أصوات عربية لشبان وشابات عرب، يتكلمون لهجات بلدان آبائهم رغم مولدهم في صقلية.
الحوار الثقافي الإيجابي
وفيما يتعلق بثقافة وذائقة الأكل والطعام، تنتشر المطاعم الشرقية التي تختص بإعداد الأكلات والحلويات العربية، مغربية وتونسية بشكل خاص، التي تشهد إقبالاً منقطع النظير من السكان الإيطاليين، ومن السياح الأجانب على حد سواء، لطيب مذاقها ونجاعة إعدادها. وكما تختلط الألسن واللهجات هناك، تختلط الوجوه والدماء، فسمات الشخصية العربية للجزيرة وسكانها لم يطمسها تعاقب الأزمنة وتوالي القرون، فالملامح العربية والدم العربي ملحوظ على تقاسيم وملامح سكان الجزيرة، وليس من المستغرب كذلك أن تلحظ اختلاط اللهجة الصقلية منذ زمن بعيد بمفردات عربية ومسميات إسلامية، لها نفس الدلالة والإشارة في العربية. كما يحظى تدريس العربية في مدارس الجاليات التي تقف عليها سفاراتهم وقنصلياتهم هناك بتنظيم جيد، لا سيما المدرسة التونسية في مزارا ديل فالو، ما يجعل من العائلات العربية والمسلمة كافة، القاصدة باتجاه أوروبا ترشح إيطاليا، وصقلية بالدرجة الأولى منها، كوجهة مقصودة للعمل وللدراسة والمقام. كما أن تدريس اللغة العربية والحضارة الإسلامية في جامعة باليرمو الإيطالية، قد خُصِّص له قسمٌ معتبر، يحظى بإقبال وشغف الطلاب الإيطاليين، الذين عززوا دراستهم للغة والآداب العربية بالإلمام باللهجات العربية المشرقية والمغاربية.
هذا دون أن ننسى عشاق السياحة التاريخية والأثرية الذين يتوافدون على الجزيرة من كل الأصقاع لغزارة ما فيها من أبنية وآثار عربية وإسلامية، كقصر العزيزة أو «لازيزا»، كما يسمى في اللهجة المحلية، ومقصورة القبة في الحديقة الملكية، وحتى تلك التي شيدت فيما بعد خلال فترة النورمان، فهي تعتمد أساساً على الطراز المعماري والهندسي العربي. فقد شُيِّدت بأياد عربية، حيث لم يتعامل النورمان حين حكموا الجزيرة مع الوجود العربي والإسلامي بعداوة، فقد ظلت حقوق المسلمين شبه مصونة، في العيش والتملك والعمل والعقيدة، وبذلك كسبت الجزيرة ما جعلها جوهرة المتوسط في زمننا الحاضر، تعاقب حضارات وثقافات لم يلغ أحدها الآخر، تعايشٌ مشتركٌ، وتواشجٌ بين شعوب وقبائل خلقها الله لتتعارف، فتعارفت.
- سهيلة طيبي
اثنين | ثلاثاء | أربعاء | خميس | جمعة | سبت | أحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 |
8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 |
15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 |
22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 |
29 | 30 | 31 | 1 | 2 | 3 | 4 |
5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 |