عندما كانت البشرية تعوم في ضلال وظلام دامس طلع البدر عليها من ثنيات الوداع من أرض طيبة الطيبة، فاستقبل أهلها النبي المرسل إلى الثقلين مرحبين ومهللين بالمال والولد، والكل يمسك بخطام بعيره ليُحل ضيفاً عنده، عندها شعت الدنيا نوراً وضياءً كما قال أنس بن مالك رضي الله عنه، فنزل في أرضها ونزلت آيات الله ووحيه إليه فيها، فتوافدت إليها القلوب وسارت لها الركبان وتشوقت لرؤيتها العيون، إنها طيبة بالمقام وبساكنيها، إنها المبروكة التي ضُعّفت البركة فيها ضعف مافي مكة، تأتيها الأرزاق رغداً من كل مكان، فتنظر خلفها تجد أحد جبال الجنة يُطل عليها أُحد العظيم الذي شهدت حجارته صراع الحق والباطل، ودونت صخوره دماء سيد شهدائها واحتضنت كهوفه سيد الخلق والمرسلين واهتز له شوقاً وحنيناً، وتنظر إلى غربها تجد سلع شاهقاً الذي دوت صرخات عمر المكان ياسارية الجبل الجبل، وفيها مسجد القبلتين الذي شهد تحويل أعظم قبلة للرسول-صلى الله عليه وسلم- يرضاها، وهناك على ضفافها وادي العقيق الذي ارتوى منه الحبيب وتغنى عليه العاشقون، وجنوبها يُصادفك أول مسجد أُسس بنيانه على التقوى، وداخلها روضة من رياض الجنة ومنبر الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم- الذي بكى حين فراق النبي له حتى احتضنه وسكن، وبها الوفود حطت ركابها من مشارق الأرض ومغاربها لأنها طيبة الطيبة، ولأن المؤمن مُبتلى فقد ابتُليتُ بأن يكون عملي خارجها رغم هذا الحب الدافق والشوق الدائم والبحر الهائج لهذه المدينة بين أعماق جبالك الشاهقة التي تتدفق عيونها على مر العصور.