الجزيرة من الرياض:
رغم هبوط أسعار النفط لأدنى مستوياتها في خمس سنوات فإن سوق السندات في الخليج حقق أداء أفضل من معظم الأسواق الأخرى في أنحاء العالم، وهو ما يظهر ثقة المستثمرين في المنطقة.
ويشكل إنتاج النفط والغاز نحو نصف الناتج الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي الست ونحو ثلاثة أرباع الصادرات ونسبة أعلى للإيرادات الحكومية.
لذا فإنه إذا استمر خام القياس العالمي مزيج برنت قرب 80 دولارا للبرميل في معظم العام المقبل انخفاضا من 115 دولارا في يونيو- حزيران فإن المالية العامة لمصدري النفط في الخليج ستتضرر.
لكن أسعار السندات الخليجية في معظمها استمرت قوية منذ يونيو- حزيران لسببين، الأول هو أن معظم المستثمرين والخبراء الاقتصاديين يعتقدون أن الاقتصادات العربية الخليجية الكبيرة لا تواجه خطرا جديا فلديها احتياطيات مالية ضخمة تمكنها من مواصلة الإنفاق لأعوام مقبلة، إضافة إلى دين عام ضئيل للغاية ويشهد القطاع الخاص فيها نموا قويا.
والسبب الثاني هو أن الصناديق ومؤسسات الاستثمار الخليجية لديها كميات كبيرة من الأموال السائلة نتيجة للازدهار الاقتصادي في المنطقة وتشعر بالسعادة وهي تضخ تلك الأموال في شراء سندات محلية بينما يرغب المستثمرون الأجانب في البيع.
وبناء على ذلك فإن بعض المستثمرين الدوليين ينظرون إلى السندات الخليجية كأدوات استثمار مأمونة رغم تأثر المنطقة بشدة بأسعار النفط.
وقال سيرجي ديرجاتشيف مدير محافظ سندات الأسواق الناشئة لدى يونيون إنفستمنت بريفاتفوندز في ألمانيا التي تدير سندات أسواق ناشئة بنحو عشرة مليارات يورو «أحب سندات الخليج كثيرا وأعتقد أنها أدوات مأمونة بشكل كبير لمحافظ سندات الأسواق الناشئة».
ويقول بعض المستثمرين إنه من المفارقات أن سندات الخليج التي ربما تكون أكثر عرضة لمخاطر في الأشهر المقبلة هي سندات دبي التي لا تملك صناعة نفط رئيسية. ويرجع ذلك إلى أن التعافي القوي لقطاع العقارات في دبي ولاقتصاد الإمارة على مدى العامين السابقين جعل سنداتها مقومة أعلى كثيرا من قيمتها الفعلية.
وتسبب هبوط أسعار النفط في بعض التقلبات في الأسواق المالية الخليجية. فتراجعت أسهم شركات البتروكيماويات السعودية وشهد سوق الصرف الأجنبي في المملكة تدفقات كبيرة إلى الخارج على عكس المعتاد وهو ما أدى إلى تداول الريال في السوق الفورية فوق سعر ربطه بالدولار عند 3.75 ريال مقابل الدولار وتراجعه في سوق التعاملات الآجلة. لكن الأسعار في التعاملات الآجلة على العملات الخليجية والتأمين على القروض لم تظهر ضغوطا في السوق مماثلة لما حدث في عام 2008 حينما أطلقت الأزمة المالية العالمية هبوطا أكبر كثيرا في أسعار النفط.
وحققت السندات الخليجية أداء متميزا. وارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز لسندات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 1.64 في المئة منذ بداية الربع الحالي، مقارنة مع هبوط قدره 1.56 في المئة لمؤشر ستاندرد آند بورز/سيتي جروب لسندات الخزانة الأمريكية.
وقال مديرو صناديق إن كميات بسيطة من الأموال الأجنبية سحبت من السندات الخليجية منذ أن بدأت أسعار النفط في التراجع، وتم تعويض هذا البيع بسهولة من خلال تدفق أموال جديدة من الصناديق المحلية ذات السيولة المالية الوفيرة التي من المرجح أن تحتفظ بالسندات على الأجل الطويل وهو ما يقلص من تقلباتها.
وفي تقرير صدر هذا الأسبوع قالت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني إن انخفاض أسعار النفط «ربما يقلص النمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي ويضعف أوضاع التشغيل في قطاعي الشركات والبنية التحتية».
لكن ستاندرد آند بورز ليس لديها حاليا نظرة مستقبلية سلبية لأي دولة من دول مجلس التعاون الخليجي الست ولا يزال بعض المستثمرين يعتقدون أن المخاطر التي تتهدد التصنيفات الائتمانية لدول الخليج ليست ذات أهمية مقارنة مع الضغوط الاقتصادية في أنحاء أخرى من العالم.
وقال محيي الدين قرنفل رئيس الاستثمار في أدوات الدخل الثابت لدى فرانكلين تمبلتون إنفستمنتس «ارتباط أسعار النفط بالأسواق الإقليمية منخفض ولا تزال جميع دول مجلس التعاون الخليجي الرئيسية قوية جدا من الناحية المالية وبنت احتياطيات مالية ضخمة أثناء صعود أسعار النفط».
وقال موريتز كرامر مسؤول التصنيفات السيادية لدى ستاندرد آند بورز «تعاني البحرين من أشد الضغوط حيث إن لديها أعلى سعر افتراضي لسعر النفط اللازم لتوازن الميزانية».
وحتى سندات الشركات الخليجية المنتجة للنفط لا تزال جذابة لكثير من المستثمرين ويرجع ذلك لأسباب من بينها أن كثيرا من تلك الشركات يعتقد أنها تتلقى دعما من حكوماتها.
وقال ديرجاتشيف إن شركات مثل دولفين للطاقة وشركة الاستثمارات البترولية الدولية (ايبيك) المملوكة للدولة في أبوظبي تتمتع بقوة وبدعم فني وهي أكثر متانة من حيث العوامل الأساسية عن شركات مماثلة مثل بتروبراس البرازيلية وروسنفت الروسية.
وإذا لم يواجه الخليج أزمة نتيجة لهبوط أسعار النفط فإن التقييمات النسبية للسندات ستصبح مهمة وفي هذا الصدد ستكون سندات دبي أكثر تأثرا.
ويرجع ذلك إلى أن سندات الإمارة حققت أداء مذهلا في السوق الثانوية هذا العام وارتفعت نظرا لازدهار التجارة والسياحة والتقدم الذي تم إحرازه في إعادة هيكلة ديون شركات شبه حكومية مثل نخيل العقارية -على سبيل المثال- التي سددت ديونها البنكية بالكامل وقدرها 2.15 مليار دولار قبل موعدها بنحو أربع سنوات.
وهذا يعني أن دبي ستكون الأكثر تعرضا لهبوط إذا تسبب انخفاض أسعار النفط في فترة جديدة من الضعف الاقتصادي العالمي.
وقال ديرجاتشيف إن دبي اقتصاد مفتوح يعتمد على التجارة العالمية، بينما تستطيع سندات السعودية وقطر والإمارات مواجهة أي عاصفة عالمية بشكل أفضل.