الجزيرة - نواف المتعب:
دعا خبراء نفطيون عبر «الجزيرة» دول مجلس التعاون الخليجي إلى إعادة النظر في دعم السلع والخدمات التي يستفيد منها الأجانب، لافتين إلى أن ما تمنحه دول الخليج من مكاسب اجتماعية تخص الخدمات العامة مثل الأسعار المنخفضة جدا للمشتقات النفطية والتعليم والصحة لا تقتصر الاستفادة منه على مواطنيها فقط بل تشمل الوافدين الذين يشكلون ما نسبته 50 % من إجمالي السكان.
وقال الدكتور ليون رخومن خبير من جامعة يونشوبنك السويدية: خسرت الشركات والدول المنتجة للنفط في فترة وجيزة أكثر من40 في المئة من مدخولاتها حيث هبط سعر النفط من نحو 115 دولارًا قبل أشهر عديدة إلى نحو 64 دولارًا. ومن السهولة بمكان حساب الربح والخسارة عند التعامل مع النفط لاسيما بالنسبة للمنتجين. لو كان إنتاجك مليون برميل في يونيو الماضي لوصل المردود إلى 115 مليون دولار. أما اليوم فما تتقاضاه عن إنتاج مليون برميل لا يتجاوز 65 مليون دولار في اليوم. وهكذا بإمكانك أن تحسب ما كان سيدخل خزينتك لو كنت تنتج خمسة ملايين أو عشرة ملايين أو غيرها، مضيفًا أن الهبوط المفاجئ ليس اعتياديًا ولم تلعب فيه عوامل السوق دورًا كبيرًا ولم يكن في الحسبان أيضًا. فالسبب الرئيس يكمن في عدم قيام الدول المنتجة الرئيسة من داخل «أوبك» أو خارجها بأي جهد أو تنسيق لوقف تدهور الأسعار ولا يبدو أن هناك في الأفق ما يشير إلى ذلك.
وأضاف ليون: السياسة والاقتصاد توأمان لا يمكن فصلهما خصوصا عندما يتعلق الأمر بمنتج إستراتيجي كالنفط. وإن القينا نظرة فاحصة على المشهد العام للدول والشركات المنتجة للنفط وكيفية تعاملها مع الهبوط الحاد في الأسعار لرأينا بروز اتجاهين مختلفين تمامًا.
الاتجاه الأول يتمثل في الشركات الغربية التي بدأت فورًا بتكييف نفسها ومصادرها وإدارتها وتكنولوجيتها وقواها البشرية للتعامل ليس مع هذا الانحدار السعري فقط، بل مع وضع قد تنهار فيه الأسعار إلى 40 دولارًا للبرميل أو أكثر.
الاتجاه الثاني يتمثل في الدول المنتجة الرئيسة في الشرق الأوسط التي يبدو أنها غير مكترثة بتقهقر الأسعار بدليل أنها لم تتخذ أي إجراءات اقتصادية تتناسب وحجم الخسارة الاقتصادية وهي كبيرة جدًا.
وأضاف ليون: الشركات في الغرب تتحكم بالدورة الاقتصادية وشركات الطاقة هي المعنية قبل الحكومات، فهناك بون شاسع بين العام والخاص وأغلب الشركات تقع ضمن الملكية الخاصة التي لا يجوز ربطها بالملكية العامة. أمام هكذا مشهد كان لا بد للشركات أن تنفذ بجلدها وهذا ما فعلته. فالشركات أخذت تقترب من بعضها بعضًا في أكثر من مسار مثلاً بدلاً من شراء جهاز حفر جديد الذي قد يكلف أكثر من نصف مليون دولار صارت تشترك في جهاز حفر وهكذا مع الكثير من العمليات والمعدات المكلفة. وبدلاً من تقليص العمليات بدأ بتقليص العمالة (العاطلون عن العمل هم مشكلة القطاع العام - الدولة). وهبوط حاد للأسعار تستغله الشركات العملاقة والشركات الرائدة من أجل توسيع نفوذها وذلك من خلال عمليات استيلاء (دمج) على الشركات الصغيرة المتضررة الرئيسة وإضافة طاقاتها المتاحة من عمليات وأجهزة وأصول وموجودات بأبخس الأثمان إلى ما لديها. والشيء الذي قد لا يعرفه الكثير من العرب أنه مهما حدث لأسعار النفط فإن هذه الشركات ستستمر دون هوادة في تطوير التكنولوجيا الموائمة لخفض نفقات الإنتاج كي تجعل من السعر أي سعر أمرًا مربحًا. وهكذا ستزداد مخصصات مراكز البحث العلمي في الطاقة من كافة أوجهها من قبل هذه الشركات (القطاع الخاص) وستهرع الدولة (القطاع العام) للمساهمة في البحث العلمي وبسخاء.
ويضيف الدكتور ليون أن ما تمنحه دول الخليج من مكاسب اجتماعية التي تخص الخدمات العامة مثل الأسعار المنخفضة جدًا للمشتقات النفطية والتعليم والصحة وغيرها من الخدمات لا تقتصر الاستفادة منها على أهل البلدان هذه فقط، بل الأجانب الذين يشكلون تقريبا50 في المئة من مجمل سكان هذه الدول البالغ نحو 40 مليونًا. فهذه الدول لديها التزامات كبيرة جدًا صوب مواطنيها الذين يرون اليوم أن المنافع العامة التي يحصلون عليها أصبحت حقًا من حقوقهم. كيف ستبقى المنافع والخدمات على حالها والدولة تخسر الآن أكثر من40 في المئة من مدخولاتها بالعملة الصعبة وقد تخسر أكثر؟ ومضى: قد يقول قائل بإمكان هذه الدول سحب أرصدتها والاتكاء على صناديقها السيادية. وهنا مشكلة كبرى أيضًا وهي أن هذه الصناديق ليست لأجيال اليوم بل للأجيال القادمة ومن ثم يجب أن يكون الصندوق بمثابة استثمار يدر أرباحًا دورية كان يجب أن تقلل من الاعتماد على النفط وظهر اليوم أنها لم تؤد الدور المرسوم لها وقد يكون إجبار هذه الدول على السحب من صناديقها واحد من العوامل غير المنظورة وراء الهبوط الحاد في أسعار النفط.
وتابع: المتضرر الرئيس لانخفاض أسعار النفط بهذا المنحنى الخطير هي الدول العربية النفطية لأنها لا تمتلك خططًا عملية لمواجهة المشكلات الخاصة بالتركيبة الديمغرافية لسكانها ولا خطط لها لتنويع مصادر ثروتها من خلال تقليل الاعتماد على سلعة إستراتيجية واحدة لا تستطيع فصلها عن ألاعيب السياسة ومكر السياسيين ولم تقم بأي محاولات جادة لتوطين الصناعة والتكنولوجيات والزراعة وغيرها كي تضع نفسها في خانة الدول المصدرة أو المكتفية ذاتيا بدلاً من دول ريعية تستورد كل شيء تقريبًا حتى البشر لتمشية أمور حياتية عادية.
من جهته أوضح عثمان الخويطر نائب رئيس «أرامكو» سابقًا أن السوق النفطية اليوم تواجه تحديات قد تكون الأسوأ في تأريخها، بالرغم من أنها كانت قد مارست تقلبات سعرية في أكثر من مناسبة. لأن حجم الخسارة السوقية هذه المرة كبير ومن المحتمل أن يستمر وضعه مدة طويلة قبل أن يستعيد السعر عافيته.
وأضاف: نحن فقدنا اليوم أكثر من أربعين دولارًا للبرميل. فإذا كان إنتاجنا يبلغ ما يقارب عشرة ملايين برميل في اليوم، فلك أن تتصور ضخامة الخسارة التي ستترتب على ذلك، مع امتداد مدة الانخفاض. ولا نرى هناك بارقة أمل بإعادة النظر في مسألة تخفيض الإنتاج من الدول الرئيسة، وخصوصًا دول الأوبك التي تقود السوق النفطية.
ويضيف الخويطر قائلاً: دخلنا سيخسر الشيء الكثير جراء هذا الانخفاض غير المبرر. ولو استمر الوضع على ما عليه اليوم ولمدة سنة كاملة، فإننا سنخسر ما يقارب مائة مليار دولار، وهو مبلغ ضخم بكل المقاييس. وربما أن ميزانياتنا لن تتأثر كثيرا، بسبب وجود فوائض مالية كبيرة من دخلنا الكبير خلال السنوات الماضية. ولكن ذلك مؤشر خطير ينبهنا إلى حساسية وضعنا الاقتصادي وضرورة تنويع مصادر الدخل الذي فشلنا حتى اليوم في تفعيله. ومن أسباب فشلنا ضخامة دخلنا ورفاه معيشتنا واعتمادنا على الملايين من العمالة الوافدة على حساب توفير العمل والإنتاج لشبابنا.