تفعيل البحث التربوي لتوجهات خطط التنمية

د. مساعد بن عبد الله النوح

تحرص حكومات الدول النامية والمتقدمة على حد سواء على رسم خطط تنموية شاملة للمجالات التي تحتاجها، كما تحرص على توفير مقومات تفعيلها، ولا تقف عند هذا الحد فحسب بل تهتم بتحديثها؛ لمتابعة المستجدات المتسارعة التي أضحت ملحة لدى شعوب هذه الدول. وتلجأ إلى استخدام البحث العلمي لرصد متطلبات خطط التنمية. وهذا مؤشر على تنامي الوعي لديها بأهمية البحث العلمي في تحقيق متطلبات الحياة الحضارية.

فقد تبنت المملكة العربية السعودية خططاً تنموية (1390هـ- 1436هـ) حددت أهدافاً عامة لها وإجراءات تتناسب وكل مرحلة زمنية مرت بها الدولة، والمراجع لها يدرك عدة تغييرات في أهدافها وإجراءاتها، وما يخصص لها من نفقات خلال هذه المسيرة التنموية.

ويمثل التعليم واحداً من مجالات خطط التنمية السعودية الرئيسة الذي حظي باهتمامها، وقد تمت مراجعة موضوعين في خطط التنمية: السابعة(1420هـ- 1424هـ)، والثامنة (1425هـ- 1429هـ)، والتاسعة (1430هـ- 1435هـ)، وهما:

1 - الأهداف العامة للتعليم، وهي:

تمثلت أهداف خطط التنمية الثلاثة في قطاع التعليم في:

أ- المحافظة على التعاليم والقيم الإسلامية، وتعزيز الوحدة الوطنية، والأمن الوطني الشامل، وضمان حقوق الإنسان، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، وترسيخ هوية المملكة العربية والإسلامية.

ب- تحقيق التنمية المتوازنة بين مناطق المملكة وتعزيز دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وشملت:

*- الزيادة في أعداد مدارس التعليم العام: الابتدائية إلى (14748) مدرسة ابتدائية، والمتوسطة إلى (8570) مدرسة متوسطة، والثانوية إلى (5154) مدرسة ثانوية؛ لمقابلة الطاقة الاستيعابية بنهاية الخطة التاسعة إلى (5.31) مليون طالب وطالبة.

* الزيادة في الطاقة الاستيعابية للجامعات والكليات الحكومية؛ ليصل في نهاية الخطة التاسعة إلى (1.7) مليون طالب وطالبة.

* الزيادة في أعداد (25) كلية تقنية جديدة، و(28) معهداً تقنياً عالياً، و(50) معهداً مهنياً صناعياً.

ج- تعزيز التنمية البشرية وتوسيع الخيارات المتاحة للمواطنين في اكتساب المعارف والمهارات والخبرات، وتمكينهم من الانتفاع بهذه القدرات المكتسبة.

د- التوجه نحو الاقتصاد المبني على المعرفة وتعزيز مقومات مجتمع المعلومات.

هـ- دفع الحركة الثقافية والإعلامية إلى المستوى الذي يجعلها تساير التطور الذي تعيشه المملكة.

و- تعزيز دور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وتوسيع مجالات الاستثمارات الخاصة (الوطنية والأجنبية)، ومجالات الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص.

2 -آليات تنفيذ الأهداف العامة للتعليم،وهي:

كما حددت خطط التنمية الثلاث مجموعة آليات؛ لتحقيق أهدافها العامة، ومنها:

أ- تكثيف الجهود لرفع مستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة والاستمرار في تقليص معدلات الفقر.

ب- تهيئة البيئة المواتية للتوجه نحو الاقتصاد المبني على المعرفة والتحول التدريجي نحو مجتمع المعلومات.

ج- تعميق الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتسريع عمليات التخصيص.

د- توفير فرص التعليم وتحسين معدلات الالتحاق بمراحله المختلفة، وتطوير النظام التعليمي لضمان الاستجابة النوعية والكمية للاحتياجات التنموية والمجتمعية، وللمعارف المستجدة.

هـ- توسيع برامج التدريب والتأهيل المهني والتقني وتطويرها ونشرها في جميع المناطق الإدارية.

و- تطوير المشاركة الفاعلة للمرأة السعودية في النهضة التنموية للمملكة وتعزيز هذه المشاركة.

ز- دعم مشاركة الشباب في النهضة التنموية للمملكة وتطويره، وتمكينهم من الإسهامات الفاعلة في تنمية المجتمع.

وبعد فحص (542) رسالة ماجستير ودكتوراه تم إعدادها خلال الفترة (1411هـ- 1435هـ) وفق أداة مصممة لهذا الغرض وقدمت لكليتي التربية بجامعتي الملك سعود بالرياض وأم القرى بمكة المكرمة، وكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض. وهي من أنشط الكليات المهتمة بالحركة البحثية التربوية على مستوى الدراسات العليا.

اتضح أن حجم تفعيل الرسائل الجامعية لأهداف خطط التنمية السعودية خلال الفترة (1411هـ- 1435هـ كان ضعيفاً، حيث جاء الهدف الخاص بالتعاليم والقيم الإسلامية في صدارة قائمة أهداف خطط التنمية بنسبة (13 %)، ثم يتوالى التفعيل في الانخفاض. وقد يبرر ذلك إلى جهل طلبة الدراسات العليا بأهداف خطط التنمية، وأن اختيارهم المشكلات البحثية يعود إلى خبرة شخصية أو اختيار مشكلات لها رصيد في الكتابات السابقة. وقد لاحظت ذلك جلياً من خلال تدريسي مقرر (التربية والتنمية) لطلبة الدراسات العليا أن الطلبة يعتمدون على تحديد مشكلاتهم من خلال تكرار بحث مشكلات سبق أن تناولها غيره مع تغييرات طفيفة على بعض متغيرات العناوين. وقد أكدت كتابات سابقة هذه النتيجة إذ أشارت إلى أن حركة البحث التربوي لا تلبي حاجات ومتطلبات التنمية في المجتمع.

لذا لا نستغرب تدني اهتمام وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي وغيرها من الجهات التربوية بتفعيل توصيات البحوث التربوية في تطبيقاتها وفعالياتها التربوية. وإذا كانت هذه الحال على المجال التربوي والتعليمي، فهذا مؤشر ظاهري يمكّن من القول إن البحوث العلمية في المجالات الأخرى تحتاج إلى فحص؛ للحكم على درجة تفعيلها لتوجهات خطط التنمية في المجتمع السعودي؛ لتوظيف نتائجها وبالتالي تطوير الواقع لممارسات أجهزة المجتمع.

ونظراً لكون متطلبات خطط التنمية مصدراً هاماً من مصادر بناء الخرائط البحثية التي تتبناها جهات أكاديمية وبحثية، حيث تعتمد على هذا المصدر في رصد أبرز التوجهات التنموية للدولة، ومن ثم صياغتها على هيئة أهداف وتحديد آليات لتحقيقها. وهي تختلف من مرحلة تنموية إلى مرحلة تنموية أخرى وفق الظروف التي تمر بها الدولة. لذا لعل من المفيد أن تتجه عمادات الدراسات العليا وهي الجهة المعنية بطلبة الدراسات العليا وعمادات البحث العلمي وهي الجهة المعنية بأعضاء هيئات التدريس بالتواصل مع مؤسسات الدولة الميدانية وذلك في إطار الشراكة مع المجتمع برصد أبرز التوجهات التنموية لها ومن ثم رسم خطط بحثية وتعميمها على كليات الجامعات؛ للعمل بموجبها وترجمتها إلى إنتاج بحثي يتشارك في إنجازه طلبة الدراسات العليا وأعضاء هيئات التدريس.

وفق الله الجميع