الأحساء - خاص بـ«الجزيرة»:
أكدت الدكتورة هدى بنت دليجان الدليجان أستاذة الدراسات القرآنية بجامعة الملك فيصل على ضرورة الاهتمام بالشباب وتنمية مواهبهم واستغلال قدراتهم، ووضع استراتيجيات لأعداد الشباب وتأهيلهم وأسباب تحولاتهم الفكرية، مع وضع العلاج الناجع الذي يحصنهم من كل هفوة أو فكرة غادرة متلبسة بلبوس الشيطان الرجيم، وقالت د. الدليجان إن شبابنا فيهم طاقة للعمل في شتى الظروف، وهم يرغبون في الإسهام في بناء الوطن بسواعدهم الفتية، ومع قلة الفرص الوظيفية المتاحة ظهرت أفكار متميزة لشبابنا وأطروحات عملية ومشاريع صغيرة تحولت لمشاريع ريادية كالمجموعات الإعلامية، والعمل الحر، وتوظيف التقنية، وغيره. جاء ذلك في حوار مع الدكتورة هدى الدليجان.. فيما يلي نصه:
* الدكتورة هدى خبيرة ومتخصصة في الدراسات الفكرية والتربوية وقضايا الشباب كيف تقرأين واقع الشباب الآن, وما هي الأسباب الحقيقية وراء جنوحه إما للتطرف والإرهاب أو لاتجاه معاكس؟
- الشباب هم وقود الوطن، وعليهم تعول الآمال، وهم عدة الحاضر وعنوان المستقبل، والرؤية الحقيقية للواقع يجب أن تتميز بالشمولية لمهارات الشباب وطاقاتهم الفعالة والقدرة على استشراف مستقبل مبدع ومشرق للوطن، وبحسب ما أراه بحمد الله تعالى أرى شباب الوطن يتوجه للصلاح والخير والعطاء والنماء بدليل عدة مؤشرات:
أولا-التوجه إلى التعلم المستمر:
فالتعليم أصبح بحمد الله حقا مشاعا، وغنيمة باردة، بتعدد مصادر التعليم كالتعليم عن بعد والمنصات الافتراضية والأكاديميات المتخصصة فضلا عن التعليم الرسمي بجميع مراحله .. فمثال على ذلك: سجل في إحدى الجامعات السعودية في التعليم عن بعد كفرصة من فرص التعليم المتاحة أكثر من 100000(مائة ألف) متقدم ومتقدمة للحصول على درجة البكالوريوس.
ثانيا: الرغبة في العمل:
فشبابنا فيهم طاقة للعمل في شتى الظروف، وهم يرغبون في الإسهام في بناء الوطن بسواعدهم الفتية، ومع قلة الفرص الوظيفية المتاحة ظهرت أفكار متميزة لشبابنا وأطروحات عملية ومشاريع صغيرة تحولت لمشاريع ريادية كالمجموعات الإعلامية، والعمل الحر، وتوظيف التقنية،وغير ذلك.
ثالثا: الاهتمام بالعمل التطوعي
هناك مجالات كبيرة بدأ الشباب يهتم بها علما وعملا وإدارة وتنفيذا كالحملات الموسمية في الأماكن المقدسة، والمشاركة في الجهات الخيرية في تنفيذ بعض المشاريع التطوعية وخدمة الفقراء والمساكين وتحقيق الشراكة المجتمعية المتميزة.
أما توجه بعض الشباب للتطرف أو الإرهاب أو الأفكار الشاذة فنحتاج لدراسات علمية إستراتيجية تبين أعداد هذه الفئة وأسباب تحولاتهم الفكرية، ووضع العلاج الناجع الذي يحصن شبابنا من كل هفوة أو فكرة غادرة متلبسة بلبوس الشيطان الرجيم.
* البعض يرى أن المحاضن التربوية لم تقم بدورها في احتضان الشباب وضعف التربية سواء في المنزل أو المدرسة أو الحرب على الإعلام إنه السبب .. أين مكمن الخطر؟
- لو قسمنا المحاضن التربوية إلى عدة محاضن تبدأ من الأسرة، والمسجد، والمدرسة، والجامعة، والأصدقاء، والمناشط الاجتماعية، وعالم التقنية (المحضن الافتراضي) .
فنجد أن لكل محضن من هذه المحاضن نسبة من التأثير على فكر الشباب ونشاطه،ولعل المحضن الذي يجب استقطابه هو محضن الأصدقاء الذي يعد من أهم المحاضن التأثيرية على الشاب (ذكرا أم أنثى)، فما الذي قدمناه لهذه المحاضن من علم وتربية ودعوة ومنهجية وترفيه وسلوكيات وأخلاقيات.
أما جامع المحاضن اليوم فهو المحضن الافتراضي وهو أخطرها ويجمع بين المتناقضات بين الشفافية والغموض والعمق والسطحية، فمن المهم جدا إنعام النظر في التعامل مع التقنية السريعة التي أصبحت محضنا جديدا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الذكية المتتابعة، والتي تفهم لغة الشباب أكثر من الأم والأب وتأثيره أخطر من المسجد العظيم والمدرسة الوقورة.
* مؤسسات لرعاية المواهب واحتضان الموهوبين وبيوت للشباب ونوادي أدبية وثقافية أين دور هذه المؤسسات في احتضان الشباب؟
- هذا المحور مهم جدا، وحضرت عدة مرات في بعض المناشط في النوادي الأدبية والثقافية بل هناك عزوف من طلاب الجامعات من حضور والمشاركة في الأنشطة الجامعية المتميزة، فهناك ظاهرة جديدة ومؤلمة هي (الكراسي الفارغة)، فأين الشباب الذين هم حلاوة اللقاء وروحه وعطره، فمما يحزن أننا لم نستطع من خلال الموازنات المالية والضيوف المتألقين من تهيئة بيئة جاذبة لعقول الشباب وأرواحهم أما بسبب: الطرح التقليدي للأفكار، والغياب الإعلامي للتشجيع على الحضور لهذه المناشط المتميزة، وقلة إسهام الشباب في إدارة و تنفيذ الأنشطة، فالشاب اليوم لا يرضى بدور التلقي وإنما لابد من مشاركته الفعلية وبحماس لفكرته ومناقشتها وتوجيهها حتى لو كانت مخالفة للمألوف النمطي، فالموهبة تتفتق والإبداع ينمو في البيئة التي تحترم بزوغ المتغيرات المتنوعة،وتذبل في البيئة الراكدة الساكنة.
* هناك من يتهم العلماء بعدم القيام بدورهم وفي المقابل هناك من يتحمل من التبعة ويلقي المسؤولية على الآخرين فمن المسؤول إذاً عن الانحراف؟
- الوطن سفينة واحدة كبيرة تجمع الكل، فكل مواطن مهما بلغ علمه أو تدنى مؤهله هو مسؤول عن أمن وسلامة هذه السفينة التي تمخر عباب الأمواج المتلاطمة بكل أناة وثبات.
والعلماء لهم دور كبير في توجيه المجتمع وقيادته للخير والبناء والصلاح.
ومع كثرة الفتن وتبدل الأحوال في المجتمع تكون الحاجة للعلماء كبيرة في كل صغيرة وكبيرة من المسائل الفقهية والإشكالات المالية والفتاوى الاجتماعية والتنبيه على المعايير المزدوجة التي ظاهرها الصلاح وباطنها التخريب والفساد.
فالدور المنوط بأهل العلم لا يقتصر على كل ذلك بل لابد من توفير بيئة قابلة للحوار والنقاش، وتوجيه الخلاف، وتقدير الاختلاف، ورعاية النسيج الوطني الملون بألوان الاختلافات الفكرية والمذهبية، وتنمية الفكر الواعي لدى الشباب الطموح.
وأرى من الأهمية بمكان تهيئة الداعية الافتراضي (نساء ورجال) الذي يتعامل مع الشباب والمرأة والطفل في كل تلك القضايا بسرعة وأمان من خلال الدورات العلمية التأصيلية، والإفادة من الخبرات التدريبية، والممارسات المنهجية الموثوقة لسد ثغرات في المجتمع الذي ينمو بسرعة مطردة عالية جدا، فلن يمكن مجاراة الثورة المعلوماتية وسهولة تداولها بالوسائل التقليدية بل لابد من إنفاذ الفهم الصحيح والوعي بكل ما يدور حول الشاب (ذكرا أم أنثى) ومعالجته وتحريره بطريقة آمنة.
* اتهمت المناهج بأنها تربي وتزرع التطرف واتهمت جمعيات التحفيظ واتهم المدرسين ورجال الهيئة بأنهم (دواعش) فمن يوزع هذه الاتهامات ؟
- هذا كلام غير لائق،وإن كانت بعض التصرفات الفردية غير مقبولة لكن لا تحسب على الدور الكبير الذي تقدمه هذه المؤسسات العلمية والميدانية.
فرؤية الدولة السعودية منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- إلى حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- وهي تقوم بتحكيم شريعة الله، وتنتهج احترام الوحدة الوطنية، وتحث كل الجهود على التكاتف والتكافل بين كل أبناء الوطن؛ كل في وظيفته، وفي بيته،وفي مسجده، في معالجة الأخطاء سواء كان فكرا أم عملا، وتحمل المسؤولية.
من أجل هذا كان ولابد من القيام بالدور الإعلامي المناسب لثوابت هذا البلد الكريم كونه قبلة المسلمين وموطن الحرمين الشريفين، والتعبير عن أصالته وثقافته ورؤيته الحضارية، وتحرير رسالة المجتمع السعودي في ازدهاره وتنميته والحرص على ريادته العالمية كأنموذج عصري متميز يجمع بين نصرة هذا الدين العظيم والحكم به، والأصالة العربية، والمنافسة الحضارية.
* أين دور الإعلام والنوادي الأدبية في تحمل مسؤولياتها؟
- مع سهولة الحصول على التطبيقات الذكية وما وفرته الثورة المعلوماتية من مواقع التواصل الاجتماعي تغير دور وسائل الإعلام التقليدية، وتحول المجتمع إلى الرسائل الإعلامية القصيرة والأخبار الفضائية التي تنتشر بسرعة هائلة، فأصبح الطفل الصغير يتعرض لمئات الرسائل الإعلامية المتنوعة فمابالك بالشاب الناضج (ذكرا كان أم أنثى) وهذا أفقد الإعلام بريقه المتميز، فكان لابد من معالجة هذا الوضع الخطير إلى التوجه للإعلام الالكتروني،حيث يقدر عدد مستخدمي الانترنت في المجتمع السعودي 13مليون مستخدم من مجموع الشعب السعودي عام 2014،ويحتل المركز الثالث بين مستخدمي الانترنت في الدول العربية بعد مصر والمغرب،ومع ذلك نسبة المحتوى العربي الرقمي 3% متدنيا جدا أمام محتوى الانترنت بكل اللغات.
وهنا يتضح الدور الإعلامي بالنشر الإعلامي للفعاليات الوطنية والمبادرات العلمية والاجتماعية،ومنها مبادرة الملك عبدالله للمحتوى العربي، ومن أنشطتها مبادرة ويكي عربي وهو مشروع إثراء موسوعة ويكبيديا العربية أكثر الموسوعات الحرة استخداما على مستوى العالم .
فأين النوادي الثقافية والأدبية والدور الإعلامي لتفعيل هذه المبادرات وتوظيف طاقات الشباب الطموحة لخدمة العلم والمعرفة، وضمان تحول المجتمع السعودي إلى مجتمع المعرفة بكل يسر وسهولة.
* لماذا لا نجد من يحتضن المبدعات والمبدعين من الشباب كما يحتضن لاعبي الكرة؟
- سؤال يوجه للوزارات المعنية والجهات المعنية، وأظن بين يدي حكومة خادم الحرمين الشريفين مشروعا متكاملا عن وزارة للشباب (الذكور والإناث) تعني بطموحاتهم وتأهيلهم واحتضانهم بدلا من تشتت الجهود بين الوزارات والمؤسسات والجهات المختلفة في بلد ينبض بروح الشباب وهم غالبية أفراده-حفظهم الله ورعاهم-.
ومثال على احتضان الموهبة فقد عنيت مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين في التعليم العام (موهبة)، وإقامة الأنشطة العلمية وأولمبياد المنافسات العالمية، وحصل طلابنا وطالباتنا على مراكز متقدمة -بحمد الله- بين طلاب عالميين ورواد وخبراء متمكنين .
* وماذا بعد ؟
- فوجئت بأن كل تلك الأنشطة والمهارات تختفي مع انضمام الموهوبين للتعليم العالي حيث لا يندرج هؤلاء الموهوبين والموهوبات تحت نطاق مؤسسة (موهبة) إلا في مبادرات خجولة في جامعة هنا أو هناك،مما يبين حجم التحدي الذي يتعرض له أبناؤنا الموهوبين والموهوبات في كل التخصصات والفنون، وهذا مما يحمل المجتمع مسؤولية مضاعفة لرعاية الموهبة في خضم نمو مفاهيم تنمية البيئة المستدامة.
* هل نحن في حاجة إلى إستراتيجية واضحة تحدد دور كل جهة في تحمل مسؤولياتها ؟
- فعلا هذا هو الحل الأمثل من التفكير الاستراتيجي الشامل المتكامل لبناء مستقبل مشرق لهذا الوطن الغالي.
* لماذا شباب المملكة المستهدفين دون غيرهم؟
- كما ذكرت -سابقا- الثورة المعلوماتية وسهولة تداول الرسائل واختراق الخصوصية بطريقة إلكترونية سريعة ونشر الفكر سواء كان فكرا داميا أم تطرفا أم إجراما خبيثا أم عدوانا صارخا على المعتقدات والقيم في داخل الوطن وخارجه.
والشاب السعودي مستهدف لأنه يمثل الطاقة الحقيقية للوطن العزيز، فإنهاك قوى الوطن يأتي من داخله أكثر من خارجه -فنسأل الله العزيز الجبار أن يرد كيد من يكيد لهذا الوطن وأهله وشبابه في نحورهم-.
فيستهدف الفكر الخبيث مع تنوع أشكاله وخبث جرائمه هذا النوع من الشباب الغض الطري الكريم، ويلّبس عليه بلباس ما يحب من هذا الدين وإرادة الإصلاح، فيخاطب لدى الشاب السعودي شيمته العربية الأصيلة من الشهامة والكرم والمروءة ونصرة الأخ لأخيه،مما يسهل اختراقه بغض النظر عن تعليمه وتخصصه ومنهجيته.
فا للأسف الفكر الخبيث يستطيع بسهولة أن يلبس لباسا مختلفا لما يهدف إليه كالحرباء تلون جسدها بحسب الحالة،مما يسهل اختراق فكر الشباب مع توافر البيئة الراكدة التي لا تشجع الحوار ولا تساعد الشاب على المحافظة على توازن مبادئه وانفعالاته بين السكينة والحمية الزائفة.
* بصراحة كيف نواجه الجماعات التكفيرية والمتطرفة بالفكر قبل السلاح؟ وما هي طرق الوقاية؟
- هو الفكر، والفكر فقط الواعي الذي ينطلق من رسالة وطنية عظيمة محددة وبلغة إعلامية سهلة تنتشر في كل أرجاء الوطن، فتندرج فيها كل طاقات الشباب ومواهبهم المتميزة ومهاراتهم الفعالة، وتقضي على التشتت والانقسام الذي يخدم أعداء البلد،وأعداء الحق، وأعداء الحياة والنمو والبناء.
فهذا الفكر البناء هو تحويل لتلك الرسالة الواعية من النظرية إلى التطبيق، ومن الفاعلية المحدودة إلى النشر الإعلامي المتميز وترويجها بين شباب الوطن، وهكذا سيتمكن الشباب السعودي بأنفسهم من نقض تلك الأفكار المتطرفة والتصرفات الطائشة بأي مسمى كانت معلومة أم مجهولة، وبكل الوسائل المتاحة.
فلابد من تحمل الشباب مسؤولية الوعي الاجتماعي والأمن الوطني،ويعلمون يقينا أنهم على ثغور هذا البلد دينا وولاة وعلما وفكرا ومكانة، فالله الله أن يؤتى الوطن من قبلكم.
وهذا الإحساس يعزز لدى الشباب السعودي احترامه لنفسه ولولاة أمره ولعلمائه فيكون مرشدا للخير والصلاح بدلا من أن يكون متلقيا ساكنا لا يشارك فيما يدور حوله.
فمن المهم جدا تغير لغة الخطاب الثقافي والإعلامي من إرادة الصيانة ووقاية الشباب كعناصر كامنة إلى فعالية الشباب الديناميكية في دعم البناء والتنمية والأمن والسلام.
فلابد من إقامة مراكز إستراتيجية لها عناية بدراسات الشباب المتخصصة بالمنهجية العلمية الموثوقة، وإجراء البحوث الميدانية، وتصميم المواقع الافتراضية، وتهيئة البيئة الجاذبة للحوار والعلم والعمل، وترك مساحة حرة للشباب في الإسهام في بناء الوطن من خلال المشاركة في العمل النظامي والعمل الحر والعمل التطوعي النافع لخدمة بلادهم ومجتمعهم في شراكة فاعلة وأنيقة تليق بمكانة هذا البلد.