لفت انتباهي كثيرا الخبر الذي نشرته صحيفة الجزيرة قبل أيَّام عن تحويل أمانة المنطقة الشرقية، كورنيش الدمام إلى لوحة فنية، بهدف تجميل مواقع الخدمات والكورنيش وإزالة الكتابات المشوهة، حيث تحول جزء كبير من الكورنيش إلى معرض مفتوح يضم لوحات فنية مستوحاة من بيئة المنطقة الشرقية، وهويتها السياحية على مباني دورات المياه.
فلعل الأمانة في المرحلة المقبلة تستفيد بتجارب دول أخرى في الاعتماد على الموهوبين والفنانين من مواطنيها ليقوموا بتلك المهمة. ففي الشوارع ومحطات القطار أو حتى في الطريق من مدينة لأخرى، تجد جدراناً تملؤها رسومات لفنانين يحترفون فن الرسم على الجدران. هكذا هي المدن الأوروبية، فلكل جدار صورة تحكي قصة أو تعالج قضية. ورغم فوضويتها، إلا أنها محبوبة.
ما يميز فن الرسم على الجدران، أو «الغرافيتي»، هو أنه قادر على تسليط الضوء على قضية معينة، سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو حتى بيئية. لذلك يستقطب هذا الفن اهتمام الجمعيات والمؤسسات الخيرية، لأنّها أقرب إلى الناس وأكثر شمولية في توجيه رسالتها لكافة الفئات العمرية ولا تحتاج في كثير من الأحيان إلى استخدام عبارات، بل تقتصر على الصور لتوصل رسالتها إلى الجميع، مهما كانت اللغة أو الثقافة.
إحدى هذه الجمعيات التي ساعدها فن الشوارع هي جمعية «أولي يونغ» البريطانية وحملتها لجمع التبرعات لمشروع طبي للأطفال، بمشاركة فنان الشوارع بيسترول، الذي يؤمن أن بإمكانه استغلال الأماكن المهمشة في مدينته ووكينغهام لرسم لوحات تزرع الأمل والنور داخل سكان الحي. بيسترول ليس وحده في ذلك، بل يشاركه في ذلك الكثير من الفنانين من مختلف أنحاء أوروبا، الذين تمت دعوتهم للانضمام إلى هذا العمل الكبير والفريد من نوعه. حول ذلك يقول بيسترول: «كان شيئاً جميلاً أن أقوم بذلك».
وعلاوة على دعم هذا النوع من الفنون للجمعيات الخيرية والحملات الإِنسانية، اتجه فن الشوارع إلى نقل صوت المحتجين على قرارات سياسية، كما حدث عام 2012 عندما اقترحت المفوضية الأوروبية لصيد الأسماك فرض حظر على طريقة للصيد تؤثر على الكائنات البحرية التي تعيش في قعر المحيط، وهو حظر استمرت دول مثل فرنسا وإسبانيا في إعاقته. وهنا توحد عدد كبير من الفنانين من مختلف أنحاء أوروبا وحاربوا بألوانهم لوقف هذا القرار، في عمل ضخم شمل كلاً من لشبونة وبرلين وروما وبروكسل وباريس ولندن ومدريد.
ولا يحصل فنانو الشوارع على أي أموال مقابل عملهم، وهم يرفضون بيع أعمالهم إلا للتبرع لقضايا إِنسانية أو بيئية أو لأي سبب وجيه، لدرجة أن أحد محترفي هذا الفن ما زال مجهولاً حتى اليوم، كما يقول بيسترول، فمن يحرك الألوان هو قلبه، إلا أنه قلق من تحول هذا الفن إلى السياسة، إِذْ يوضح بالقول: «إذا كنت تريد وضع عبارات سياسية، فامتهن السياسة، لأنني أمارس هذا الفن فقط لأنني أحبه».
- فهد الماضي - الرياض