ترهُّل سياسة «أوبك» وفقدانها لقوة التأثير في توازن العرض والطلب للنفط والتأثير على أسعار النفط يحتّم ضرورة تغيير إستراتيجيات المملكة لتسويق وبيع النفط. لا شك أن سياسة «أوبك» كان ذات قيمة في وقت مضى، أعطت الكثير ولكن آن الأوان للبحث عن بديل.
لا يخفى على الجميع أن ارتفاع أسعار النفط خلال الأربع سنوات الماضية لم يكن بقيمة مضافة من الدول المصدّرة، بل بفضل فرض عقوبات على إيران وتعثر العراق لسنوات والفوضى الأمنية في ليبيا، والتي أثارت مخاوف من نقص إمدادات النفط العالمية.
نتساءل لماذا يُثمَّن نفطنا من قِبل مضاربي تداول النفط الذين ينظرون لصفقات بيع وشراء خلال شهر؟.. لماذا يثمّن نفطنا ضمن التداول مع أنه لا يُتداول؟.. لماذا نبقى حامي الحمى لدول متأخرة اقتصادياً (كثير من دول الأوبك)؟
قبل الخوض في الحديث عن بناء إستراتيجيات جديدة، يجب أن نطّلع على المعلومات المتوفرة لدى المصادر الموثوقة في الدول المتقدمة عن تغيُّر وضع النفط ورؤى النفط بعد اكتشاف النفط الصخري وتقدم التكنولوجيا التي تستطيع اكتشاف النفط الصخري بأسعار جيدة، وهذه التكنولوجيا في تطوير مستمر لخفض تكلفة الإنتاج.. أيضاً لا يخفى على الجميع أن هناك تحديات أخرى غير النفط الصخري تهدد مصالح الدول المصدرة للنفط، ليبيا وإيران والعراق قادرين على رفع الإنتاج والصادرات تقريباً بثلاثة ملايين برميل يومياً، إضافة إلى بدائل النفط (الكهربائية والشمسية والهجين وغيرها)، وأيضاً تحسين أداء محركات السيارات، جميع هذه تحديات ستواجه نفط أوبك التقليدي.
لا يزال نفط المملكة يتميز عن كثير من الدول الأخرى بتنوع أنواعه، وبكمياته الكثيرة، وبوجود احتياطيات تستطيع رفع الإنتاج وأيضاً تغطي أي نقص في حال حدوث أي تعثر، ولذلك يُسمى النفط «الأكثر موثوقية» وترغب به دول مثل الهند والصين واليابان وكوريا الجنوبية، وشركات نفط عملاقة مثل أكسون موبيل وشيل وشيفرون وغيرهم.
فقدان أوبك لقوتها المؤثرة جعل منها منظمة كبيرة لدول (تقريباً) غير مستقرة اقتصادياً وأمنياً ولا ترتبط بعلاقات جيدة مع الدول المستوردة للنفط، ولا حتى بعلاقات جيدة مع بعضها البعض.
بالإضافة إلى ما سبق ذكره، فتسعير النفط يؤثر عليه عوامل عدة، أهما أن أسواق تداول النفط التي لا تعني لنا شيئاً، هؤلاء ينظرون لوفرة النفط المخزّن في صهاريج احتياطية لتكفي لـ 90 يوماً حيث إنهم يشترون أسهم النفط ويبيعونها خلال شهر قبل أن يتوجب عليهم استلام الشحنات النفطية بما أنهم مضاربون وبنوك وشركات مالية.. ومن ثم هذا التسعير والتأرجح يؤثر على مؤشر أسواق التداول المحلية مع أنه ليس المعني الحقيقي للتغير.
إذاً نحن نواجه تحديات وفرة النفط وتقدم التكنولوجيا التي تستخرج النفط، ونواجه أيضاً طريقة تسعيرة النفط، ويبدو أننا لم نلق لها بالاً عندما كانت تسير في صالحنا.
لا نريد أن نضع الحلول، فالحلول لا تأتى من مقالات ولا أشخاص، بل مراكز دراسات وبحوث، ربما محلية وربما خارجية.. هل من الممكن الانسحاب من منظمة الأوبك وتأسيس منظمة صغيرة لدول الخليج العربي ابتداءً بـ (السعودية والإمارات وعمان وقطر والبحرين والكويت)؟.. لعل دول الخليج تتحد في تصدير 13 مليون برميل، ويوازيها استثمارات في المعامل النفطية في الخارج والتسويق في نقاط التوزيع في الدول المستهلكة للنفط.
لو كنت سأقترح لصاحب القرار، لاقترحت عمل دراسات من عدة مصادر، داخلية وخارجية بشرط أن تكون منعزلة عن بعضها، ومن ثم مقارنتها لمعرفة تميز كل دراسة، وأخيراً اختيار الأفضل حتى وإن كان مزج بعض الحلول، أو ربما نبقى دون تغير ولكن معرفة الجدوى مهمة.
أخيراً، حتى وإن ارتفعت أسعار النفط قريباً، ما حدث مؤخراً قد يكون جرس إنذار (أتمنى ألا يتعدى ذلك)، وأن لا ننغش ونصدّق أننا سنواجه دولاً متقدمة يقودها التطوير التكنولوجي بفكر شخص منا أو أشخاص قلة أو مجموعة صغيرة، مجموعتنا فوضوية إيران والعراق والخليج وليبيا والجزائر ونيجيريا وأوغندا والإكوادور وفينزويلا.
- م. برجس حمود البرجس