كانت وزارة التجارة والصناعة إلى عهد قريب ينطبق عليها القول المأثور (الحاضر الغائب)، أي موجودة لكن غير موجودة على أرض الواقع. وبمعنى آخر، ليس لها أي دور ملموس يُذكر تُحمد عليه في خدمة المجتمع في مراقبة أسعار قوته اليومي. سنوات طويلة والوزارة لا تحرك ساكناً تاركة الحق على «إدارة حماية المستهلك»، كالمثل القائل (الحق على الطليان)؛ ما جعل إدارة حماية المستهلك الحديث عنها مستهلكاً، بعد أن ثبت عجزها وهي تتحرك ببطء، وفي نطاق ضيق، حتى استفحل الأمر، وصار يصعب على فرق مطافئ المراقبة القليلة العدد إخماد الحريق اللاهب لأسعار المواد الغذائية المطرد.
وأقول: بمجيء معالي الوزير الدكتور توفيق الربيعة وُجدت ثمة خطوات عملية على أرض الواقع؛ الأمر الذي تحدث عنه الكثير بوسائل الاتصال الاجتماعي.. لكن ليس هذا بكافٍ؛ لأن هناك مواضيع كثيرة ينتظر المجتمع التحرك تجاهها بشكل سريع وحازم، يأتي من أولوياتها موضوع مراقبة «المواد الغذائية» ذات الأهمية البالغة في ضبط أسعار قوت المواطن اليومي.
معالي الوزير.. إن المجتمع يتطلع لحل مشكلة مؤرقة، أضحى المواطن من خلالها يرسف بقيود أسعار ظالمة وجائرة، تنهش كبده قبل جيبه.. فإما أن يدفع صاغراً للتاجر والبائع السعر الذي حدده بمزاجه، وإلا فمصيره الجوع.. حتى أضحى الموضوع فوضى، يحدد التاجر والبائع السعر الذي يريده، وليس هناك رقيب، ولا عزاء «للمستهلك». فما رأي معاليكم وأحوال الفقراء والبائسين العاجزين في حالة أنين وشجن، عاجزين عن شراء مشتريات بسيطة، لا تسد رمق الأب، ناهيك عن عائلته؟
لا يخفى على معاليكم أن في الدول العربية كافة، بما فيها دول الخليج المجاورة، توجد (جمعيات تعاونية) وفق بطاقات تموينية، ينال منها المواطن احتياجاته من المواد الغذائية. وهذه الطريقة معمول بها منذ سنوات طويلة، ولا تحتاج غير أن تنشئها الدولة، وتتبناها؛ لكي يستريح المجتمع من جنون غلاء الأسعار. وبهذا الشكل تلقم الدولة أفواه المتلاعبين بقوت الشعب حجراً، من التجار والموزعين والبائعين في السوبرماركتات بالجملة والقطاعي.
إن فارق السعر من سوبرماركت وآخر شيء لا يصدق، كأنهم اتفقوا على رفع السعر جميعهم.. هذا ليس تكهناً، وإنما هو ملموس وموجود، وكأن عيون رقباء وزارتكم كليلة الطرف، وكأن ليس لدينا وزارة هي المعنية بمعالجة هذه المشكلة، التي ما زالت قائمة ومتفاقمة طوال عام، وعام آخر يأتي، وشهود العيان والبيان هم الآلاف من المواطنين الباحثين عن «أمنهم الغذائي» وقطع دابر جشع التجار والمرابين بالقوت بالسوبرماركتات كافة ومبيعات الجملة والقطاعي، وحتى البقالات الصغيرة داخل الأحياء.
ختاماً، نأمل يا معالي الوزير - وأنت الوزير النشط والمخلص والحريص على خدمة المواطن وإنصافه - أن تكون رسالة المواطن قد وصلت إليك، وما هي إلا برسالة مجتمع بأسره، وإن مثَّله فرد بصرخة مؤلمة.. فنأمل أن لا تذهب هذه الصرخة سدى ومدى توهان في أدراج الرياح كما هي الصرخة المماثلة التي قالها الراحل طلال مداح «وترحل صرختي بوادي لا صدى يوصل»..!!