الرياض - واس :
رعى صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن عبد الله بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض أمس ندوة «دور المؤسسات الإعلامية والثقافية في تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد»، التي نظمتها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» بمناسبة الاحتفاء باليوم العالمي لمكافحة الفساد، وذلك بقاعة الملك فيصل للمؤتمرات بفندق انتركونتننتال في الرياض.
وأوضح معالي رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الأستاذ محمد بن عبد الله الشريف خلال كلمة له في مستهل الندوة ، ما يمثله الفساد من تحد لاستقرار الدول أمنياً ، واجتماعيا ، واقتصادياً ، مؤكِّداً أن الجهود الفردية مهما كانت ستظل غير قادرة على محاصرة الفساد وتجفيف منابعه، عاداً معاليه وضع الاستراتيجيات والخطط، وتطوير الإجراءات والأنظمة على المستوى المحلي والدولي بجانب تعزيز مبدأ التعاون بين الدول والمنظمات ، من شأنه الحيلولة دون استفحال ظواهر الفساد، ووصولها إلى مراحل متقدمة يصعب السيطرة عليها. وقال معاليه:» لقد بادرت المملكة العربية السعودية في عقود مضت إلى سن أنظمة عديدة، حددت فيها جرائم الفساد ، واتبعتها باستحداث الأجهزة الرقابية والتحقيقية ، إلى أن جاء إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ، لتترجم الإرادة السياسية، والرغبة الجادة من القيادة على ضرورة التحري عن الفساد، والوقوف على أسبابه، وتبيين مصادره، وملاحقة مرتكبيه، واسترداد العوائد المالية الناجمة من تلك الممارسات «.
كما ألقى معالي نائب وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد الله بن صالح الجاسر كلمة قال فيها: إن الأدلة على أن الفساد ضد الإصلاح مستفيضة، مبينا معاليه أن التعريف العلمي الدقيق للفساد هو (إساءة استخدام السلطة العامة لتحقيق كسب خاص) وهو محرم شرعاً، مستشهداً بقوله تعالى (وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد). وأضاف معاليه: « نحمد الله سبحانه وتعالى أن الدولة أخذت على عاتقها مكافحة الفساد، وحماية النزاهة، والتصدي له بجميع أشكاله إيماناً منها بأنه من المبادئ الثابتة في الشريعة الإسلامية، والأنظمة الدولية، والمملكة العربية السعودية وهي تستمد أنظمتها من أحكام الشريعة الإسلامية أولت هذا الموضوع جل اهتمامها وعنت به عناية كبيرة، محذرة من الوقوع في شراكه، وما تأسيس هيئة مكافحة الفساد إلا مؤشراً جاداً على اهتمام الدولة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - وعزمه على اجتثاثه وحماية المجتمع من تبعاته الضارة «. وأبان معالي الدكتور الجاسر ، أنه من هذا المنطلق حرصت الدولة على مشاركة المجتمع الدولي اهتمامه في محاربة هذه الظاهرة، وعقدت عدة اتفاقيات، وشاركت في عدة مؤتمرات وندوات تعزيزاً للتعاون الدولي في هذا الشأن، مؤكِّداً معاليه أنه امتداداً لهذا الحرص وضعت استراتيجية وطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد باعتبار الدين الإسلامي هو الركيزة الأساسية التي تحكم هذه الاستراتيجية، عادّا وسائط الإعلام المختلفة شريكاً فاعلاً ومؤثراً في أداء هذه المهمة الوطنية الشريفة. وتابع معاليه قائلاً: « لا يخفي عليكم أثر الفساد على الفرد والمجتمع، فهو يهدد حقوق ذوي الكفاءات والمؤهلات العالية بفعل المحاباة والمسؤولية، ويشعر بالإحباط والظلم، وقد حرم الله الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرماً، إضافة إلى أن الفساد بكافة أنواعه يؤدي إلى هدم قيم المجتمع وأخلاقه ومُثله، ولو أردنا أن نقف لحظة عند أثر وتأثير وسائل الإعلام المختلفة في مكافحة الفساد لوجدنا أن الإعلام يعد أداة رئيسية في كشف عتمة الفساد من خلال وسائله التوعوية المتنوعة ، مسموعة ، ومرئية ، ومقروءة، وأستطيع القول إن العلاقة بين الإعلام والفساد ، علاقة تناقض وتضاد ، كون الفساد ينمو في العتمة، والإعلام وظيفته الإشهار والإخبار وكشف ما هو مستور ، وبهذه العلاقة يمكن معرفة الدور المم لوسائط الإعلام المختلفة في التصدي للفساد وبالتالي في حماية النزاهة «.
كما عدَ معالي نائب وزير الثقافة والإعلام ما ينشر في وسائل الإعلام ، بعيدا عن التهويل أو المبالغة ، مصدراً مهماً للأجهزة الرقابية خصوصاً مكافحة الفساد، وإلا تحولت هذه الوسائط إلى مؤسسات شكلية لا تغني ولا تسمن من جوع، وقال معاليه: « تعد وسائل الاتِّصال الجماهيرية خاصة الصحافة والإذاعة والتلفزيون إذا ما توفرت لها الحرية المنضبطة ، من أهم أدوات الرقابة، وسلاح مهم من أسلحة مكافحة الفساد، كما أن الصحافة تعد وسيلة للتعبير عن آراء المواطنين، وأضحت بدون منازع أداة الرأي العام في التعبير عن اتجاهاته واحتياجاته ورغباته وهمومه، من خلالها يستطيع كشف المعوقات وتحديد مصادر الخلل، وليس من المبالغة أن تسمى الصحافة بالسلطة الرابعة «. ولفت معاليه إلى أن سائل الإعلام بشكل عام هي مؤسسات مهمة في القضاء على الفساد، وتعد بلا شك جهاز رصد وإنذار مبكر لأي خلل في المجتمع، وبالتالي يتحمل الإعلام مسؤوليات كثيرة وأساسية لتحقيق مستوى الوعي العام داخل المجتمع باختلاف شرائحه وأطيافه من أجل التحذير من آفة الفساد، مشدداً معاليه على أنهلا يمكن أن نغفل جانب الإعلام الإلكتروني ، واصفاً إياه بالوسيط العصري الفاعل الذي من خلاله يمكن من خلاله محاصرة الفساد والتضييق عليه وأصحابه ، منوها معاليه بدور مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت «الفيس بوك ، تويتر ، اليوتيوب « المفيد في هذا الجانب متى ما أحسن استغلالها في التوعية والتوجيه لمحاربة هذه الآفة الخطيرة على المجتمع.
واختتم معالي نائب وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد الله الجاسر كلمته مؤكدا أهمية استشعار غرس القيم والأخلاق الإسلامية في نفوس الشباب والعاملين في القطاعات الحكومية والخاصة، إلى جانب التأكيد بأهمية التوعية الإسلامية في الوسائل المتاحة، وعبر منابر الجوامع والمحاضرات، والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، للتوعية بمغبة الوقوع في براثن الفساد، بمشاركة من العلماء الشرعيين وعلماء الاجتماع والنفس ، لتكون أقرب للتأثير والفعالية.
من جانبه ، أكد نائب الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الرياض فراس بن فالح غرايبة ، أن الفساد يعد مزحزحاً للعدالة الاجتماعية ويهدد أمن الإنسان ، فضلاً عن إسهامه في تنظيم الجريمة المنظمة ، منوهاً بالمملكة العربية السعودية بوصفها طرف مهم في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ، مشيراً إلى أن السعودية جاءت في قائمة الدول العربية التي أحرزت تقدماً كبيرا هذا العام متقدمة بثلاثة نقاط - من 46 نقطة في 2013 إلى 49 نقطة في 2014 - محققة المركز الـ 55 عالمياً ، والثالث عربياً من بين 175 دولة ، مؤكِّداً أنه بالإمكان تحقيق المزيد من التقدم في ظل دعم المزيد من الندوات والمبادرات الفعالة.
عقب ذلك ، ألقى صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن عبد الله بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض راعي الحفل ، كلمة أكد خلالها أهمية هذه الندوة التي جاءت انطلاقا من مشاركة المملكة العربية السعودية المجتمع الدولي في قضاياه وهمومه وخصوصا في مكافحة الفساد ، معرباً سموه عن سعادته بافتتاح هذه الندوة والالتقاء بضيوفها من المختصين الذين جاءوا لمناقشة ما ينبغي أن تضطلع به المؤسسات الإعلامية والثقافية من مهام ووظائف في سبيل تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد.
وقال سموه: « إن المملكة العربية السعودية منذ أن توحدت على يد المؤسس الملك عبد العزيز - رحمه الله - وهي تستمد منهجها في مكافحة الفساد من تعاليم ومبادئ الإسلام التي هي مصدر التشريع في هذه البلاد قبل أن يصبح لمكافحة الفساد اتفاقية دولية ، وهو ما اتضح من البلاغ الرسمي الذي أعلن عنه جلالة المؤسس للناس عام 1347هـ ، ونص فيه (بأن من له ظلامة على كائن من كان ، موظف أو غيره، كبير أو صغير ، ثم يخفي ظلامته ، فإنما إثمه على نفسه ، وأن من له شكاية فقد وضع على باب دار الحكومة صندوق للشكايات مفتاحه لدى جلالة الملك ، فليضع صاحب الشكاية شكايته في ذلك الصندوق) «.
وأضاف سمو الأمير تركي بن عبد الله « لقد سار أبناؤه الملوك من بعده على محاربة الفساد ، وإصدار الأنظمة واللوائح المجرمة له ، بلوغاً لعهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ، الذي أصدر - حفظه الله - أمره بإنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد ترتبط به مباشرة ، مستشعراً بأن الفساد جريمة بشعة تقض مضاجع الناس وتحول دون انتفاعهم بما تخصصه الدولة لهم ، لأنه ما زال هناك بشر يستأثرون بحقوق غيرهم ويستحلونها لأنفسهم في غياب من ضمائرهم ، وتغييب لسلطة القوانين ، متناسين أن سيوف الحق والعدل ستضرب هامات الظلم والفساد بإذن الله «.
وأكَّد سموه في ختام كلمته ، حرص المملكة على دعم جهود المجتمع الدولي والمنظمات الدولية في مجال حماية النزاهة ومكافحة الفساد ، عاداً انضمام المملكة لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وغيرها من الاتفاقيات ، تأكيدا لإرادتها على محاربة الفساد والمفسدين ، لافتاً سموه الانتباه إلى أن تمسك أبناء هذا الوطن بمبادئهم الإسلامية النبيلة والقيم العربية الأصيلة تمثل الحصن المنيع أمام الفساد بأنواعه ، منوهاً سموه في الوقت نفسه بالجهود التي يبذلها جميع العاملين في الهيئة وبحملهم لهذه الرسالة السامية ، وبدور المؤسسات الإعلامية والثقافية في كشفه للفساد وتسليط الأضواء عليه ، والتحذير منه ، ورصد المخالفات والممارسات الفاسدة بأسلوب موضوعي يلتزم المصداقية وأمانة الكلمة والحياد.
وعقب الجلسة الافتتاحية بدأت أعمال الجلسة الأولى التي جاءت بعنوان (دور المؤسسات الإعلامية في تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد) برئاسة معالي نائب رئيس الهيئة لحماية النزاهة الدكتور عبد الله بن عبد العزيز العبد القادر، وبمشاركة كل من المشرف العام على قناتي القرآن الكريم والسنة النبوية بهيئة الإذاعة والتلفزيون الدكتور سليمان بن محمد العيدي ، ومدير عام الإدارة العامة لتقنية المعلومات بنزاهة المهندس عبد المجيد السيف ، والكاتب الصحفي خالد بن حمد السليمان. فيما جاءت الجلسة الثانية تحت عنوان (دور المؤسسات الثقافية في تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد) برئاسة مدير عام الإعلام الخارجي بوزارة الثقافة والإعلام بمكة المكرمة الدكتور سعود بن صالح كاتب، وبمشاركة كل من رئيس النادي الأدبي بالرياض الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الحيدري، والكاتبة الصحفية بينة بنت فهد الملحم ، والدكتور حسن بن فهد الهويمل.