عزيزتي.. إشارة إلى ما كتبه الأستاذ يوسف المحيميد عبر زاويته الشمولية «نزهات» في العدد رقم 15403 الصادر يوم الأحد 8 صفر 1436هـ تحت عنوان: «خسرنا.. وماذا بعد؟!» تحدث في مضمون مقالته الثرية عن إخفاق المنتخب السعودي في دورة كأس الخليج في نسختها الـ22 باحثاً عن الأسباب التي ساهمت في تعثر الأخضر في المضمار الخليجي أمام شقيقه المنتخب القطري في نهائي الكأس.. عندما انبرى بتساؤلاته قائلاً: هل الخلل في المدرب.؟ أم في اتحاد الكرة؟ أم في غيرهما. مطالباً رئيس الاتحاد الأستاذ أحمد عيد التحدث عن الخلل؟ وأين يكمن؟
وتعليقاً على مقالة الأستاذ يوسف الرياضية.. أقول ومن نافلة القول: إن إصلاح ونجاح أي نظام من أنظمة البناء الاجتماعي سواء كان نظاماً رياضياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو ثقافياً.. الخ، مرهون بإخضاع كامل إسقامها ومثالبها ومشكلاتها وهمومها في قالب البحث العلمي للتشريح والدراسة والتقصي، وبالتالي كشف العيوب وتحديد الخلل بكل وضوح وشفافية.. ومن ثم إيجاد الحلول العلاجية في قالبها العلمي التي تكفل في إعادة قوى التوازن الإصلاحية لأي منشط من المناشط الحياتية.. بعيداً عن الحلول المسكنة أو الممارسات الفوضوية والعمل الاجتهادي الذي لا يجلب إلا مزيداً من الفشل والتخلف والتعثر والانكفاء..!!
وعندما نتحدث عن الفشل الكبير الذي لازم الكرة السعودية خلال العقد الأخير (خليجياً وقارياً) وتراجعها المخجل وبشهادة التصنيف العالمي fifA الذي وضع المنتخب السعودي في ترتيب تجاوز الـ 90 متراجعاً ومتدحرجاً بصورة يكشف وبجلاء هشاشة العمل الرياضي وغياب الرؤية العلمية، وضعف التخطيط الإستراتيجي والفكر الاحترافي.. وهذا التراجع الانكساري في مسيرة حركتنا الرياضية نتاج طبيعي لغياب العمل المؤسسي الرشيد، وغياب ثقافة التعامل مع ذراع التنمية (البحث العلمي الرياضي) وتوظيف بحوث العلوم الإنسانية الشاملة مع البحوث التطبيقية.. فتوالت إخفاقات رياضتنا وضاعت هيبة وهوية الكرة السعودية في زحمة الانكسارات والإحباطات والتعثرات بعدما كانت حاضرة وتحديداً في عقد التسعينيات الميلادية وبلياقه عالية في ميادين المنافسة الكروية على الأصعدة القارية والعالمية, كما أن بعض مؤسسات التعليم العالي ساهمت في هذا التراجع لضعف اهتمامها بالأبحاث الرياضية وإن وجدت فهي -مع الأسف- أبحاث فردية يتم الاستفادة منها لتلبية جوانب محددة..!! بينما على مستوى أكبر فهي شبه مغيبة.. ولم تدرك بعض صروحنا الأكاديمية أن الرياضة كظاهرة اجتماعية باتت صناعة واقتصاد وثقافة واستثمار وتجارة يستفيد منها الأفراد والمؤسسات والمنظمات ولذلك اتجهت معظم المجتمعات الواعية والدول المتحضرة إلى توسيع دائرة التعامل مع البحث العلمي بشموله والاهتمام بالعلوم الرياضية وفروعها، واستشهد هنا بالتجربة اليابانية مع ثقافة البحث العلمي الرياضي.. حيث كانت الكرة اليابانية وقبل ماينيف عن عقدين من الزمن رقماً هامشياً في خارطة المنافسة الرياضية.. ولم يكن لها حضوراً يذكر.. فاتجهت اهتماماتهم التطويرية وإرادتهم القوية.. إلى مصافحة الأبحاث العلمية الرياضية الرصينة بتخطيط علمي مدروس ومنهج مؤسسي رصين.. وخلال فترة قياسية قفزت الكرة اليابانية قفزة (جمبازية) في عالم البناء الرياضي المؤسسي.. لتتزعم (اليوم) المنتخبات الآسيوية في القارة الصفراء، فضلاً عن تأهلها لمونديال كأس العالم خمس مرات متتالية (1998-2014), كما اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية وبعد أن أدركت قيمة وأهمية الرياضة (سياسياً واقتصادياً وثقافياً واستثمارياً).. إلى بناء ثقافة التعامل مع البحث العلمي الرياضي للنهوض بالكرة الأمريكية.. فأنشأت معهداً للبحث العلمي والدراسات العليا في المجال الرياضي يهتم ومن ضمن اتجاهاته ابحثية.. دراسة المشكلات والقضايا والهموم الرياضية بعمق، وصياغة حلولها العلمية بوعي.. كما أن لشهرة المعهد البحثي الرياضي الأمريكي وسمعته العالمية.. أصبح يقدم خدماته البحثية الرصينة لأكثر من 145 دولة في المجال الرياضي.. ولذلك لاغرابة عندما وضعوا الأمريكيون خطة بعيدة المدى حول قدرة منتخبهم لكرة القدم بالفوز بكأس العالم عام 2030م. طبقاً للقياس العلمي والرؤية الإستراتيجية المنطلقة من معطيات البحث العلمي الرياضي وتنبوءاته..! وهنا أقترح تحويل معهد إعداد القادة التابع لرعاية الشباب إلى معهد للبحث العلمي الرياضي مدعوم بكوادر علمية مؤهلة وقدرات متخصصة مع رصد ميزانية تواكب أهدافه المنشودة ويمكن الاستعانة ببيوت الخبرة العالمية في هذا المجال الحيوي.. إذ لم يعد مقبولاً في عصر العولمة الرياضية تطوير قطاع الرياضة والشباب وتحديد آفاق مستقبلية دون الاعتماد على منهجية وأساليب ومعطيات البحث العلمي الذي بات ضرورة حتمية وخياراً إستراتيجياً في تحديد ملامح الخطط التطويرية ومعالجة الإخفاقات والنهوض بالكرة السعودية وإخراجها من دوامة الانكسارات والتعثرات والإحباطات.
- خالد الدوس