في الجزء الأول من هذا المقال، تحدثنا عن شجرة الزيتون المباركة واستثماره كرافد رئيسي للأمن الغذائي الوطني..
ثانياً: الموقع الجغرافي لخدمة القطاع الصحي: منطقة الجوف هي المدخل الرئيسي للمملكة مع بلاد الشام، وبحدود مع دولة الأردن الشقيقة، التي تتميز بوجود كفاءات طبية عالية المستوى. هذه الميزة - القرب وتوفر الكفاءات الطبية - من الممكن الاستفادة منها في رفع المستوى الصحي والطبي للمنطقة الذي يعاني من صعوبة في استقطاب الكفاءات الطبية المتميزة والحفاظ عليها. الزائر للمنطقة الطبية في عمان - في ظل غياب الأرقام الإحصائية - يرى كثرة السعوديين هناك للعلاج الذي يُعزى لتأخر مواعيد المرضى في مستشفيات المملكة التخصصية بسبب كثرة المحولين لها مع قلة عدد الأسرّة، مما يضطرهم للذهاب للأردن رغم كلفتها العالية التي تجبر البعض للاقتراض لتدني دخلهم وإثقال كاهلهم وعوائلهم بالديون. من هذا المنطلق، أرى وضع الآليات الكفيلة باستقطاب تلك الكفاءات للعمل بصورة جزئية أو بزيارات يومية أو أسبوعية لتقديم الخدمة الطبية والاستشارية لمرضى الشمال، حتى تكتمل مدينة الأمير محمد بن عبد العزيز الطبية لخدمة مناطق الشمال وتؤدي دورها المطلوب كما هو مخطط له، من خلال الاتفاقيات بين وزارة الصحة أو مدينة الأمير محمد بن عبد العزيز الطبية والقطاع الصحي الأردني المتميز، أو التوسع في برنامج الطبيب الزائر مع إعطائه أكثر مرونة في العمل من مكان إقامته بالأردن. والمنطقة تزخر بمستشفيات وتجهيزات جيدة من الممكن الاستفادة منها في تطبيق هذه الفكرة، منها على سبيل المثال مستشفى الحديثة (50 سريراً) الحدودي القريب من المراكز الطبية المتقدمة في الأردن (150كم تقريباً) ليكون مركزاً سعودياً أردنياً - كعيادة - يقدم الاستشارات والخدمات الطبية التي تفتقدها المنطقة بصورة واضحة في وقتنا الحالي، بحيث يستطيع الطبيب الاستشاري الأردني تقديم الاستشارة والعلاج للمرضى باستمرار، دون الإخلال في التزاماته الأسرية والوظيفية الرئيسية في بلده. هذه الفكرة في حال تطبيقها، أتوقع أنها ستوفر الخدمة الطبية المتميزة لأبناء الشمال، وتساهم في معالجة تأخر المواعيد الطبية وتخفف زحام مرضى الشمال على المراكز التخصصية الطبية في المملكة، وربما تحد من ارتفاع فاتورة تكاليف استقطاب كفاءات طبية عالية التأهيل وبوجه خاص في مدن المناطق الشمالية البعيدة. لاشك أن مناطق الشمال مقبلة على نقلة نوعية في الطب التخصصي المتمثل في مدينة الأمير محمد بن عبد العزيز الطبية وكليات الطب والمستشفياتلجامعية عند اكتمالها، إلا أن استقطاب الكفاءات الطبية المتميزة مع ندرتها على مستوى العالم ستبقى من أبرز تحديات وزارة الصحة حالياً ومستقبلياً.
ختاماً، المملكة تمر بمرحلة ازدهار لم تشهدها في تاريخها ووفرة مالية كبيرة، ضخ جلها في التنمية البشرية والبنية التحتية التنموية الاستراتيجية لخدمة الأجيال القادمة. ونحن على مشارف إقرار خطة التنمية العاشرة، ولتتحقق هذه الأفكار والرؤى نحتاج لخطط تنفيذية (أو تشغيلية) فاعلة تركز على استغلال الميزة النسبية لكل منطقة لتحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة في سبيل رفاهية المواطن، التي هي رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - والقيادة الرشيدة. لذا، أرى أن لا نحصر تفكيرنا ضمن حدود معينة سبق أن اعتدنا عليها، بل أن نحاول قلب الأمور والنظر إليها من زوايا أخرى، والله من وراء القصد.