العمل واجب وطني في أي مجال من مجالات الحياة، والمواطن المحب لوطنه هو الذي يعمل على خدمة الوطن في أي مجال من مجالات الحياة. فالعسكري يؤدي واجبه في حراسة البلد وأمنها الداخلي والخارجي، والمدني يقدم الخدمات المختلفة للمواطنين، وكذلك كل شخص من العاملين في الدولة على اختلاف مواقعهم ومراكزهم، القيادية منها وغير القيادية، يجب أن يشعر كل واحد منهم بأنه ما وُجد في هذا الموقع إلا من أجل خدمة الوطن والمواطن.
وكل مواطن عسكرياً كان أو مدنياً لا بد أن يحافظ على أمن وسلامة الوطن، وحمايته من الأعداء على اختلاف فئاتهم العسكرية منها والفكرية.
لأن الغزو الفكري أكبر خطر على المجتمع؛ لأن العدو يسلط أعوانه وأفكاره لمحاربتك، ولا تجد أمامك خصماً واضحاً لتقوم بقتاله أو محاربته. لكن الوطن يسعد برجاله ومواطنيه، وحماية الوطن أمانة في أعناق الجميع رجالاً ونساءً، كل من موقعه في المجتمع.
وبعد فترة من العطاء، وبحكم النظام، يحال الموظف أو العسكري للتقاعد، وينتظر ما ستقدمه الدولة له من خدمات من رعاية صحية جيدة، وأمن طبي شامل، وراتب مناسب يساعده وأسرته على الحياة الكريمة، وتخفيض أجور الخدمات على اختلاف أنواعها، وكذا السكن المريح الذي يضم فيه المتقاعد أفراد أسرته، ويقيهم شر ويلات الزمان.
لكن أقولها بمرارة: المتقاعد إذا أُحيل إلى التقاعد يصبح أشبه ما يكون بسقط المتاع؛ فبعد أن كان صاحب المعالي أو صاحب السعادة والوجاهة أصبح المدعو فلان، وحتى الوزارة التي أمضى فيها حياته في خدمة المجتمع أصبح لا يدخلها إلا إذا كان أحد زملائه القدماء موجوداً على رأس العمل، فيشفع له بالدخول.
والراتب التقاعدي غير مُجْدٍ؛ لأن الكثير من المتقاعدين أصبحوا برواتب لا تشبع جوعاً، ولا تكسي عارياً. والمتقاعد يعاني الشيء الكبير في الشؤون المادية وغيرها. ولا تأمين سكن له، ولا تخفيض أجور، ولا رعاية للخدمات أو أمن طبي له ولأسرته، ولا عوائد مادية تدفع له لمساعدته على العيش بكرامة.
وكذا نظام التقاعد قديم، ولم يشمله التجديد، والكثير من مواده ضد المتقاعد. وقد تم رفع مطالبات تتضمن بعض المطالب التي يتطلع لتحقيقها المتقاعدون، وصدر بها توجيه سامٍ كريم بتشكيل لجنة من وزارات عدة لدراسة هذه الاحتياجات وتحقيقها، لكن مضت أشهر عدة على صدور الأمر السامي واللجنة المكلفة لم تقدم تقريرها.
إنَّ المتقاعدين وأحوالهم وعوائلهم وحاجاتهم أمانة في أعناق الدولة وفي أعناق المسؤولين الذين كُلفوا بالدراسة، فمتى سيفرح المتقاعدون بما ستقدمه اللجنة لمقام خادم الحرمين الشريفين من توصيات، تصب جميعها في مصلحة المتقاعدين؟ فالمتقاعدون مواطنون أولاً وأخيراً، وخدموا الدولة في زهرة شبابهم، وأعطوا عطاءً جيداً في وقت العوز والحاجة. أما الآن فالدولة - ولله الحمد - غنية، وخزائنها تشكو التخمة من الموارد ومن عائدات كنوز الأرض التي أنعم الله بها على هذه البلاد الطاهرة. فآمل من كل مسؤول وُكلت إليه المهمة أن يضع نفسه في موضع المتقاعدين، وهو - لا شك - في يوم قادم سيكون واحداً منهم، وأن ينظر إلى ذوي الحاجات والعوز من المتقاعدين الذين لا تكفي رواتبهم التقاعدية متطلبات حياتهم وأسرهم. وصدق الله العظيم القائل في كتابه {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّه عَمَلَكُمْ وَرَسُولُه وَالْمُؤْمِنُونَ} (105) سورة التوبة.
إنها صرخة مواطن محب لوطنه وحكومته الرشيدة.
والله نسأل للجميع التوفيق والهداية، وأن يديم على بلادنا الغالية الأمن والأمان في ظل حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.