باتت مشكلة الحوادث المرورية تحديا حقيقيا تواجه المجتمع وتضرب في مفاصله الاقتصادية والاجتماعية، ونظرا إلى أعداد ضحاياها الكبيرة أعدها بمثابة إرهاب آخر حقيقي جديد يواجه المجتمع السعودي، ولا سيما أن ضحايا الحوادث المرورية في بلادنا يزداد إلى اضعاف ضحايا الإرهاب والحروب، ان بلادنا تفقد سنوياً أكثر من 7 آلاف قتيل في الحوادث المرورية، بينما يصاب أكثر من 40 ألفا آخرين 30% منهم من يصابون بإصابات مستديمة تصل حد الشلل حيث يتحولون إلى مقعدين، ان التكاليف الاقتصادية للحوادث المرورية تقدر بحوالي 79.92 مليار ريال، تكاليف علاج الإصابات البسيطة منها يكلف حوالي 170.73 مليون ريال، والإصابات البليغة 135 مليون ريال، بينما تكاليف الأضرار بالممتلكات (المركبات) تقدر بحوالي 6.94 مليار ريال، أما إجمالي التكاليف الشاملة للحوادث المرورية فتقدر بحوالي 87.17 مليار ريال، لقد قتلت حوادث السير خلال السنوات الماضية عشرات الآلاف المؤلفة من البشر، وحصدت الأرواح البريئة، ويتمت ورملت ورسمت هالات كبيرة من الحزن والأسى والانكسار بسبب الفقد والموت والرحيل الأبدي.
ان مشهد حوادث الموت المرورية البائس يكاد أن يكون حالة دائمة في واقع المجتمع السعودي، بسبب عدم الوعي وعدمية الثقافة المرورية وقلة الإدراك وانعدام المسؤولية واللامبالاة واستهتار كثير من السائقين خاصة الصغار واليافعين منهم، غير المؤهلين للقيادة أصلاُ، والذين لا يعرفون المسؤولية ولا يقدرون حدودها، أسها، ومخاطرها، الذين يتجولون بسياراتهم طولا وعرضا ليلاً ونهاراً من دون حساب أو وعي أو حاجة، وعدم انصياعهم التام ورفضهم البالغ لاحترام قوانين المرور، تعليماته، إرشاداته، وأنظمته، يمارسون السرعة الجنونية، ويقطعون الإشارات، ويستخدمون المركبات لغير ما أعدت لها، مثل التفحيط والهجولة ومزاحمة الناس.
ان حوادث السير عندنا تعد أخطر من الأوبئة والفيروسات التي تهدد العالم بين الحين والآخر حقيقة لا مجال للشك فيها، كما أن إدارة المرور قد وضعت كثيراً من المعالجات والحلول اللازمة والتشريعات والتنظيمات والجزاءات واستعانت بخبرات الناس والمنظمات والدول، لتفادي تكرار هذه الحوادث والإقلال منها ان لم يكن بالإمكان منعها نهائياً، لكي تنخفض نسب الحوادث إلى أقل ما يمكن، لكن التهور وفقدان المسؤولية والسيطرة وفئة الشباب والمراهقين وعدم الوعي الاجتماعي الكامل أهم المعوقات الرئيسية التي تواجه المرور التي تسبب الحوادث المميتة والمآسي المفجعة.
ان الحوادث المرورية عندنا إرهاب لا يقل خطورة عن الإرهاب الإجرامي المنظم، فهو إرهاب شوارع وطرق وأزقة ضيقة وممرات، وحسب الإحصائيات الحكومية تحتل المركز الأول عالمياً في عدد حوادث الطرق، وأن ضحايا هذه الحوادث يتجاوز عدد ضحايا عدة حروب مجتمعة وهي حرب الأرجنتين وحرب الصحراء الغربية وحرب الهند وباكستان وحرب الخليج وحرب النيبال الأهلية وحرب استقلال كرواتيا، ان عدد ضحايا الحوادث عندنا كبير مخيف مؤلم محزن وصادم، والحوادث المرورية عندنا تشبه المجازر اليومية التي تحصد الناس بعشوائية تامة دون تفرقة أو تميز أو عقلنة، فالحوادث المرورية إرهاب حقيقي ثقيل يقتل الأبرياء، ويطحن المجتمع، ويخلف المآسي والمواجع ويهدد الاقتصاد ويوجعه، بإمكانكم الحصول على الأرقام المخيفة الكاملة، والصور الموجعة البشعة، والقصص المرعبة المخيفة بسهولة من موقع المرور الرسمي، ثم قولوا لي بعدها من هو الإرهابي الحقيقي الذي يمارس علينا القتل اليومي والجزر اللحظوي ويصنع لنا المآسي واللوعة والأحزان؟
إننا أمام خطر داهم، وعلينا إذا ما أردنا القضاء عليه أو التخفيف من شأنه أن نتكاتف جميعاً، مجتمعا ومؤسسات حكومية كلا وفق موقعه وشأنه حتى نوقف شلال الدم البغيض اليومي الهادر.