عندما نقرأ في الفكر التنموي عند مهاتير محمد (الرئيس السابق لدولة ماليزيا) نجد بأنه من خلال ما يمتلكه من معطيات في الواقع قد قرأ المستقبل بأخطاره، ووضع أسسه من خلال سياسات منظمة لدرأ الأخطار عن البلد، فيقول مهاتير محمد في آخر تقرير له عن الموازنة العامة قبل تقاعده كرئيس للوزراء: (إن حكومته أدركت تماماً أهمية اعتناق قيم إيجابية لتحقيق التقدم المنشود، ولهذا اعتنقت منذ 22 عاماً سياسة النظر إلى الشرق، والمقصود بها اعتناق قيم العمل السائد في اليابان وكوريا التي تقوم أساساً على الانضباط الشديد والإخلاص التام في العمل، والحرص على اختيار القادة ليكونوا قدوة لموظفيهم).
إن اختيار القائد ليس بالعملية السهلة، بل يحتاج إلى دراسة وتمحيص في قدراته ومؤهلاته وخبراته وكيفية تعامله مع المواقف الصعبة، لأن القائد الناجح سيعكس نجاحه على بقية الموظفين التابعين له، فيَعم ذلك الأثر الإيجابي على أفراد المجتمع والوطن ككل، والعكس صحيح عند اختيار القائد غير الناجح.
ربما يتساءل البعض ما المقصود بمفهوم القيادة؟
القيادة ظاهرة اجتماعية تتمثل بوجود شخص ذو نفوذ قوي بين الناس، يعبر عن آراء وأفكار وأهداف الجماعة ويطالب برغباتها واحتياجاتها، ويوجه انجازاتها التي لا يستطيع كل فرد في الجماعة وحده منفصلاً تحقيقها أو الوصول إليها.
والمتتبع لما يقدمه د. توفيق الربيعة وزير التجارة والصناعة منذ توليه منصب القيادة بحِكمةٍ من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، يجد بأنه الإنسان الوزير خلقاً وعلماً، والمخلص في أداء عمله بعيداً عن الفِلاشَات والتَّصَنُّع، والمهتم بالإبداع وإدارة التغيير والتطوير في هذا الوطن الغالي.
إن هذا الفكر الذكي من الوزير الناجح أزال كل الموانع بينه وبين أفراد المجتمع، فقد سهل لهم الأمر ومكنهم من تفعيل استخدام التقنية بشكل إيجابي والتي تُعد من أساسيات التطور والنهضة بين الدول، فيكتفي المواطن بإرسال بلاغٍ عن طريق تطبيق الجوال إلى المسئولين في وزارة التجارة والصناعة عند التقدم بأي شكوى أو ملاحظة على أي مؤسسة أو شركة معينة، فأصبح هناك تعاونٌ جميل بين (الوزير) و(المواطن) من أجل تصحيح الأخطاء، وتوفير سُبل الراحة والرفاهية للمواطنين، والّلحاق بِرَكبِ الدول المتقدمة.
لذا فإن هذا الأمر يجعلنا نتفق بأن هناك صفات وملامح مشتركة بين (القائد والمبدع)، فهما يؤثران في الجماعة، وكلاهما يلعبان دوراً في مواجهة الصراع الاجتماعي والحضاري والصناعي (أي فيما يتعلق بمصير الإنسانية وحضارتها، بقائها أو فنائها، تقدمها أو تخلفها)، وهذا ما نلحظه على جهود د. توفيق الربيعة (كقائد مبدع).
فكم من مستودعاتٍ أُقفِلت بسبب بيعها لِسلع مقلَّدة، أو لتزويرها لعلامات مشهورة، أو لتخزينها للأطعمة بطريقة خاطئة.
وكم من محطة وقود أُغلِقت بسبب التحايل باستخدام زر يوقف المضخة للإيهام بأنها لا تعمل وتتلاعب بالعدَّاد.
وكم من سيارات استُرجِعَت من المشترين بسبب اكتشاف خلل في ناقل الحركة وحزام الأمان.
وكم من مُصدِّرِ شيك بدون رصيد نُشِرَ اسمه في الصحيفة من باب التشهير لمخالفته للأنظمة واللوائح.
وكم من محلات شهيرةٍ كنا نضربُ بها المثل في الأفضلية مقارنةً بغيرها من حيث جودة المنتج وأسعارٍ معقولة تتوافق مع إمكانات وقدرات الأفراد للشراء، أُقفِلَت بسبب التحايل والخداع من أجل جمع أكبر قدرٍ من المال بعيداً عن أي مبدأ أخلاقي في التعامل مع الزبائن.
فاستغلوا طيبة ونقاء قلوب الأفراد لشراء بعض المواد التي يحتاجونها على قدرِ ما يملكون من مال بعمل تخفيضاتٍ وهمية لا أصل لها.
ومما يشيبُ بالرأس أننا في دولة إسلامية (بلد الحرمين الشريفين) وندَّعي تطبيقنا للقرآن الكريم والسنة النبوية أمام الآخرين، إلا أن الواقع يؤكد لنا بأنه لا زال هنالك بعضاً من الناس شوهوا صورة المجتمع بسبب جشعهم وطمعهم في أكل مال المواطنين والمقيمين بأسلوب دعائي مخادع (التخفيضات الكبرى)، وهذا في قمة التناقض بين الإدعاء بالتمسك بالدين الحنيف والعمل عكس ما جاء به.
فسيرة قدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم مليئةً بالعدل والصدق والأمانة، والبُعدِ عن كل سوء خلق، فقد كان على النبي صلى الله عليه وسلم دينٌ من تَمر لرجل من بني ساعدة، فأتاه الرجل ليأخذ دينه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأنصار أن يقضيه دينه، فأعطى الأنصاري للرجل تمراً أقل جودة من التمر الذي أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى الرجل أن يقبله، فقال الأنصاري للرجل: أترد على رسول الله؟ فقال الرجل: نعم، ومن أحق بالعدل من رسول الله؟! فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الرجل اكتحلت عيناه بدموعه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((صدق ومن أحقُّ بالعدل مِنّي؟! لا قدّس الله أمة لا يأخذ ضعيفها حَقّه من شديدها وهو لا يتعتعه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: يا خولة بنت قيس اقضي حقه، فإنه ليس من غريم يخرج من عند غريمه راضياً إلا صلت عليه دواب الأرض وحيتان البحار، وليس من عبد يلوي غريمه وهو يجد إلا كتب الله عليه في يوم وليلة إثماً)).
كما أن الخلفاء الراشدين انتهجوا على خُطى الحبيب صلى الله عليه وسلم فها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لقومه: (لستُ بالخبِّ ولا الخبُّ يخدعني)، والخبّ: هو المخادع.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا:
أين هؤلاء - التجار- من هَدي محمد صلى الله عليه وسلم!؟
أترك الإجابة لهم.
حكمة .. (تفاعل) المسئول مع احتياجات الأشخاص، كفيلٌ بأن يولِّد لديه (القيادة).