بعد أقل من شهر عن انتشار خبر وفاتها، أعلن فجر أمس رسمياً عن وفاة الفنانة اللبنانية صباح عن عمر يناهز الـ88 سنة، وبوفاتها أطفأت شمعة فنية جديدة من جيل العمالقة في الفن العربي، «غفت» صباح لتختم جملة احتمالات وتكتب نهاية أرادتها على فراشها بهدوء. ولدت صباح أو جانيت فغالي في بلدة بدادون اللبنانية شرق بيروت نوفمبر 1927، وكانت الثالثة بين إخوتها، وأحبت الغناء والتمثيل منذ طفولتها، واكتشف عمها موهبتها وعذوبة صوتها الجبلي. وارتبط اسم صباح بغناء المواويل والميجانا والعتابا والأغنيات البلدية الفولكلورية، وفي سجلها أكثر من ثلاثة آلاف أغنية. غنت صباح التراث اللبناني والحب والوطن لكبار الشعراء والملحنين في العالم العربي، بينهم محمد عبدالوهاب وزكي ناصيف والأخوان رحباني وتوفيق الباشا وبليغ حمدي وجمال سلامة وسواهم. ومن أغنياتها المعروفة التي لا يزال يرددها الكبار والصغار «تعلى وتتعمر يا دار» و«دخل عيونك حاكينا» و«جيب المجوز يا عبود» و«ساعات ساعات» و«عالضيعة». وصباح التي لقبت بـ«الشحرورة» و«الأسطورة»، هي أول فنانة لبنانية غنت على مسرح الأولمبيا في باريس مع فرقة روميو لحود الاستعراضية في منتصف السبعينات. كما اعتلت خشبات مسارح عالمية أخرى كأرناغري في نيويورك، ودار الأوبرا في سيدني، وقصر الفنون في بلجيكا، وألبرت هول في لندن، وغنت على مسارح لاس فيغاس في الولايات المتحدة. وبفضل المنتجة اللبنانية الأصل اسيا داغر، دخلت صباح السينما المصرية في العام 1943 وأطلت في فيلم عنوانه «القلب له واحد» للمخرج هنري بركات. وتوالت بطولات صباح السينمائية حتى شاركت في نحو 85 فيلما مع كبار الممثلين، بينهم رشدي أباظة الذي تزوجته لفترة وجيزة، وأحمد مظهر، ومحمد فوزي، وفريد الأطرش.
وكانت تعتبر أن أفضل أدوارها السينمائية كان فيلم «الأيادي الناعمة». وأطلت صباح في 27 مسرحية بينها «موسم العز» و«دواليب الهوا» و«القلعة» و«الشلال» و«فينيقيا» و«شهر العسل» و«ست الكل» و«وادي شمسين». و«كنز الأسطورة» هي آخر مسرحية قدمتها مع زوجها السابق فادي لبنان. وحملت صباح، إضافة إلى الجنسية اللبنانية، ثلاث جنسيات أخرى هي المصرية والأردنية والأميركية. وكانت صباح على صلة وثيقة بعدد من الرؤساء والملوك العرب الذين قدروا فنها. وكانت صديقة لأسرة عاهل الأردن الراحل الملك حسين، وإلى جانب صخب حياتها الفنية، عاشت حياة صاخبة على الصعيد العاطفي، إذ تزوجت تسع مرات من نجيب شماس والد ابنها الطبيب صباح شماس في العام 1946، وعازف الكمان المصري انور منسي الذي أنجبت منه ابنتها هويدا في العام 1952، والمذيع المصري أحمد فراج، والفنانين رشدي أباظة ويوسف شعبان، والنائب السابق في البرلمان اللبناني يوسف حمود، والفنانين اللبنانيين وسيم طبارة، ثم فادي لبنان الذي تزوجته في العام 1984 واستمرت علاقتهما 17 عاما، وكان ارتباطها به من أطول زيجاتها. وعرفت صباح بكرمها، وكانت تنفق المال بسخاء على من تحب وتساعد من يحتاج، لذلك كان يطلق المقربون منها عليها لقب»مدام بنك». واتسمت علاقتها بابنتها بشيء من التوتر. واعترفت صباح بأن شهرتها عذبت ابنتها، وأن تجربتها مع أزواجها أثنت هويدا عن الزواج. وحين أصيبت هويدا بأزمة صحية نتيجة إدمانها في العام 2006 باعت صباح منزلها، وأقامت في فندق وأدخلت ابنتها إلى مصح في كاليفورنيا... حتى تماثلت للشفاء. وكانت صباح رمزا للأناقة، وعرفت بشعرها الأشقر الغزير المتدلي على كتفيها حتى ارتبطت تسريحتها باسمها، وكانت تردد «أتمنى إذا خسرت ثروتي ألا أخسر جمالي وأناقتي». ورغم تقدمها في السن، رفضت أن تشيخ وأن تعتزل الغناء، واستمرت في إجراء المقابلات والمشاركة في الاحتفالات الفنية. ومن آخر أغنياتها «شو فيها الدني» التي تم تصويرها بطريقة الفيديو كليب. عبرت صباح عن سعادتها لحصولها على جوائز تكريمية عدة خلال سنوات حياتها الأخيرة. وكرمها رئيس الجمهورية اللبنانية السابق ميشال سليمان بتقليدها وسام الأرز الوطني برتبة ضابط أكبر ضمن مهرجانات بيت الدين 2011. وكان عرض في العام نفسه مسلسل «صباح» الذي أثار جدلا حول دقة سرده لمحطات معينة.