كتبت في العام 2000م تقريباً مقالاً بعنوان «مدينة الملك فهد الطبية، حتى لا تصبح إسكاناً أخر» وذلك كون مباني المدينة انتهت ولكنها لم تشغل لسنوات طويلة. بعد عدة سنوات وتحديداً عام 2004م فوجئت بمكالمة من الدكتور عبدالله العمرو يخبرني بأنه مرشح لتولي منصب المدير التنفيذي لمدينة الفهد الطبية، ويرغب في اقتراح اسمي ليكون ضمن الأسماء التي سيرفعها ضمن ثلاثة أسماء لمعالي وزير الصحة، آنذاك، الدكتور حمد المانع بغرض استقطابها للعمل معه في تشغيل المدينة الطبية. اقترح علي التفكير في الموضوع، لكنني أجبته مباشرة بالموافقة، رغم خشيتي من عدم موافقة الجامعة لكوني حديث عهد بها بعد عودتي بالدكتوراه. بعد ذلك بعشرة أيام تقريباً اتصل سعادته ليخبرني بأنه صدر قرار تعيينه مديراً تنفيذيا لمدينة الملك فهد الطبية وستتم مخاطبة الجامعة عن طريق معالي وزير الصحة ونثق في دعم معالي مدير الجامعة لخطوات تأسيس المدينة الطبية. وأضاف بأنني أريد منك تولي إدارة التخطيط والتطوير والمتابعة، وكلي ثقة بأنك بفكرك ستساهم معنا في رسم إستراتيجية المدينة وخطواتها المستقبلية. كانت مفاجأة بالنسبة لي المنصب المقترح، فقد توقعت أن يتم استقطابي للعمل بالإدارة الأكاديمية أو بإدارة التأهيل الطبي، بحكم خبراتي وتخصصي.
بعد ممانعة ليست بسيطة من جامعة الملك فيصل - الدمام تمت الموافقة على عملي بالمدينة بنظام الاستشارات المتعارف عليه بالجامعات، وأتذكر معالي مدير جامعة الملك فيصل حينها الدكتور يوسف الجندان يخبرني بأنه في حرج حيث يرغب في دعم معالي وزير الصحة في خطواته نحو تشغيل المدينة الطبية وفي دعمي للحصول على هذه الفرصة الثرية عملياً ومادياً، وفي نفس الوقت إدارة الكلية تعتقد بحاجتها إلي ولا ترغب بالتفريط بي في ذلك الوقت من عمر الكلية، نظراً لحداثة الكلية وكوني من أوائل الدكاترة السعودين بها!
بدأت مع مدينة الملك فهد الطبية، ووجدت الدعم الكبير من قيادة المدينة في عملي اليومي والأهم من ذلك في تقبل الأفكار والرؤى التي كنت أطرحها، وليس المجال لذكرها، لأن كل فكرة يتم تبنيها من قبل المؤسسة تصبح ملكها ويتحول تنفيذها من فكرة فرد إلى عمل منظومة إدارية متكاملة. بعد عام ونصف تقريباً حدث سوء فهم بسبب مقال كتبته و له علاقة بجامعة الملك فيصل وضعت من قبل مسؤولي الجامعة أمام الخيار؛ إما العودة للجامعة وإنهاء فترة الإعارة أو تقديم استقالتي من الجامعة مع الإغراء بأنه في حالة استقالتي سيتم إعفائي من شرط العمل مع الجامعة مدة تعادل فترة الابتعاث. ورغم أن ذلك صادف رغبة القائمين على المدينة باستمراري فيها، إلا أنني فضلت العودة للجامعة لعدم رغبتي في التحول إلى إداري بقية حياتي المهنية. نصيحة لكل مفكر أو كاتب رأي؛ ابتعد عن المناصب لتحافظ على استقلاليتك فمن خبرة متواضعة ما استلمت منصباً إدارياً إلى كنت أوضع تحت ضغط تقديم تنازلات في مجال الكتابة وإبداء الرأي!
تلك بعض من قصتي مع مدينة الملك فهد الطبية وأعود للاحتفاء بها وقد حققت نجاحاً كبيراً خلال فترة قصيرة من عمرها، عن طريق كفاءات وطنية قادتها لمنافسة أفضل المؤسسات الصحية بالمملكة التي سبقتها بسنوات وتم تأسيسها وتشغيلها عن طريق شركات عالمية. بل إن بعض تلك المؤسسات تحولت لمحاربة خطوات المدينة خلال أول عام أو عامين حينما رأتها متوثبة وقد تسحب الاضواء منها!
يتبع