هذا ما حدث فعلاً؛ وجود فقيه متخصص بالظنون؛ وكما توقعت في مقال كتبته سابقاً؛ بعنوان - العجائز العاريات - توقعت مزيداً من عجائب الاستدلال بالنصوص الشرعية؛ للخروج على ثوابت ومتغيرات الأحكام.
مبالغة البعض منذ زمن؛ حول الثوابت والتمسك بها وإمكانية تجاوز المتغيرات؛ ساعدت على نفوذ وبروز فقيه الظنون.
فقيه الظنون يوغل بدليل؛ أو يستدل ببعض الأدلة؛ ويتمسك بالظن من الكلمات في الدليل؛ منطوقاً ومفهوماً؛ ليخرج برؤية فقهية؛ تجعل منه كاتباً مثقفاً؛ يتبرأ من فقه الفقهاء؛ كما يصوره بأنه اخبث ما حصل للأمة وبلا استثناء؛ ويقصد من خالفهم في استدلالهم؛ ويستغل ظروف ضعف الأمة؛ ليرمي على الفقهاء الرزايا؛ وهو يقصد العلماء؛ لكنه لن يصرح؛ إلا بمحاربة الفقهاء؛ ويخلط فعلاً بين المعتبرين وغير المعتبرين من علماء الأمة؛ بل يستكثر وجود كبارهم؛ خوفاً من وهم وقوعنا بالشرك واتخاذهم آلهة؛ في مبالغة عجيبة غريبة.
ولا يستشهد بمخالفة العلماء - الفقهاء - ضمن الثوابت؛ في عالم الأدلة القطعية؛ رغم علمه بمشروعية الاجتهاد؛ لكنه لا يريد الاعتراف بالاجتهاد للعلماء؛ ليوهم من يسميهم القطيع باتخاذ هؤلاء أرباباً لمجرد الاجتهاد؛ ثم يستمر بمسرحية الأرباب؛ حينما يقصر الاجتهاد على الحاكم دون غيره من الفقهاء وغيرهم أيضاً.
التأريخ يعيد نفسه؛ بأسلوب الاستعداء والمغالبة والمخاصمة في الاستدلال والفهم للنصوص الشرعية الظنية والقطعية؛ يظهر من يجادل لينتصر هو لا الدليل.
يفهم تقسيم الأدلة لقطعية وظنية؛ بأن الظنية مجال رحب للخصومات الفقهية؛ ولم يدرك بعد أن تقسيمها لظنية وقطعية؛ ليس القصد منه استخدامها للتحلل والتفسخ من الأحكام؛ وحاله كمن يظن أن تقسيم الشرك الأكبر والأصغر؛ يعني التساهل بالأصغر.
يأخذ دليلاً واحداً ويغلو في فهمه؛ كمن يقصر أجر الاجتهاد في الحكم على الأشياء على الحاكم؛ لأن الحديث نص على الحاكم؛ عند اجتهاده يحصل له؛ إما الصواب أو الخطأ؛ وله أجر وأجران؛ وغير الحاكم كالفقيه فلا يدخل في الأجر والأجران؛ ولا الاجتهاد.
ويستمر في مسرحية الاستدلال بدليل واحد على مكانة الحكام؛ وأنهم المقصود بالحديث لا الفقهاء؛ وربما قال ولا القضاة ولا الوزراء ولا أي تحكيم هنا أو هناك.
ناهيك أنه يتحدث عن بعض الخلفاء وانهم ضمن المقصود؛ بقصر الاجتهاد عليهم؛ والسؤال: هل الخليفة يسمى حاكماً؟!
ألم يقل فقيه الظنون إن المقصود بالاجتهاد هو الحاكم فقط؟! لم استشهد به لمن يسمى خليفة؛ ومن يسمى أمير المؤمنين؟! أليس المقصود بالحديث لا يشمل إلا الحاكم؛ فكيف ندخل الخليفة والأمير والرئيس والملك وغيرهم؟!
إذا كان الاجتهاد لا يشمل العلماء والفقهاء وكل من يتاح له الاجتهاد؛ فالحق أن نمنع القضاة والوزراء وكل من يحكم في أمر ما؛ بل كل من يتسمى بحاكم؛ وهذا غير معقول ولا مقبول ومستحيل؛ وظاهرية بالاستدلال.
وإن كان يقصد من ينطبق عليه بالمفهوم انه الحاكم؛ فكل كلامه من قبيل الظن لا القطع.
هكذا هو استخدام العقل؛ ويقف فقيه الظن حائراً؛ بل يشعر من يقول بقصر المجتهد على الحاكم؛ بأنه جعل الحاكم إلهاً؛ ولذا يقول: لا أقصد ذلك؛ ولكن لا أريد ألوهية الفقهاء!
بالظن يوهم بألوهية الحاكم وبالظن يوهم بألوهية الفقهاء؛ وكأن الأمة تركع للحاكم وللعالم.
شأن الطاعة الشركية لا يقال بالظن والأوهام ولا يعمم بالغضب على الفقهاء ومداراة الحكام؛ ولا يمكن تصورها من أهل التوحيد؛ والحكم على الجميع بذلك - تعميماً - لمجرد الظن أو لمجرد استخدام دليل ظني؛ بوقوع الأمة بتأليه حاكم أو عالم أو فقيه؛ لمجرد اتباعهم في اجتهاد؛ والعلماء - الفقهاء - لم يقصروا في شرح الطاعة الشركية؛ ولكن البعض يريد إلصاقها بالأمة؛ كما يفعل التكفيري بإلصاق الكفر بالأمة؛ بالظن وبلا تفصيل؛ وبلا إقامة الحجة وبالتعيين والتعميم.
اتهام الناس باتخاذ الأرباب ليس لأفراد الناس؛ واليوم أصبح متاحا بالعقل وحسب تحديد مفهوم الحديث ومعناه ونصه؛ من قبل فقيه الظنون؛ وأعتقد أن الظن بالفقه ثم استخدامه بالتكفير والتشريك هو من الفتوى؛ وإذا كان فقيه الظنون يقول الفقيه لا يقبل اجتهاده بل اجتهاد الحاكم فقط؛ فمن يتكلم بطريقة الفقهاء ليحدد المقصود بآية أو المقصود بحديث؛ أيضا لا يقبل قوله؛ لأنه من قبيل الفقهاء؛ والعبرة بالحقائق وليس بالمسميات؛ فكونه لا يسمى فقيها؛ وهو يتفيقه؛ وحاله مع الفقهاء التشدد؛ فالحقيقة انه من جملة الفقهاء.
لماذا يزعجنا فقيه الظنون؛ بفقه الظنون حول حديث وهو ذاته يحذر من الفقهاء؛ فهو في مثابة فقيه؛ وإذا وافقنا على فقهه الجديد؛ والعمل بظاهر النص؛ فيجب أن نقول له - اصمت يا فقيه -!
- {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} (43) سورة النساء، هناك من يقول المقصود مجرد اللمس؛ ولأي امرأة؛ والبعض يقول المقصود باللمس الجماع؛ فعلى طريقة فقه الظنون؛ لن نقبل أي قول منهما؛ فكلاهما استدلاله يتطرق له الظن؛ وهنا يتكون الضياع؛ وعليه سننتظر الحاكم في كل فقه ليحكم؛ وهذا تشدد وتنطع وخطوة لوقوع ما يحذر منه فقيه الظنون؛ وهو بنفسه يعبر عن خشية ذلك.
- {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} (60) سورة النور، ما المقصود بالثياب؟!
على طريقة فقه الظنون؛ يكون المقصود كل الثياب؛ وقد يقصد به تغطية الوجه واليدين؛ وقد يقصد ما على الرأس؛ وبالتالي يمكن أن يصدق فقيه الظنون ومن يصفق له؛ بأن من يطالبون بخروج المرأة العجوز عارية على حق؛ إذ الدليل ظني في تحديد الثياب تفصيلا؛ ونحن لا نقبل قول فقيه في تحديد الثياب؛ لتطرق الظن له في دلالته.
أمثلة كثيرة لمغالبة الفقهاء والخروج عليهم؛ خوفاً من اتخاذهم أرباباً من دون الله.
بل فقيه الظنون يتحدث كثيراً عن مبالغة الفقهاء بسد الذرائع ولكنه خرج ليقول بسد ذريعة ألوهية الفقهاء؛ وسد ذريعة تأليه الحاكم.
لا جديد سوى المغالبة؛ والمحاصصة على الفقه؛ تقربا للحكام وعموم الناس؛ والوشاية بالفقهاء ليست جديدة؛ فكم من عالم وفقيه تم سجنه بسبب الوشايات الفقهية.
لا تكذب للتحذير من قصة اليهود والنصارى باتخاذ الأرباب؛ والموضوع خطير وحساس؛ ولكنه كالتكفير؛ وهو - التشريك -.
التوسع في محاربة الشرك والغلو في فهم التوحيد؛ وبما يجعل التوحيد هو للحاكم فقط؛ عمل خطير؛ يحتاج لكلمة متفق عليها وبتفصيل؛ لا بكلام عابر.
القول إن الوحيد المقصود بحديث الاجتهاد هو الحاكم؛ يظهر التناقض في المواقف وليس في موقف واحد.