يتعرف التونسيون على هوية رئيسهم الجديد بعد ان تكون الهيئة المستقلة للانتخابات قد فرغت من فرز الأصوات التي أدلى بها المقترعون امس الأحد في أول انتخابات رئاسية مباشرة تجرى منذ ثورة 14 يناير 2011.
وكانت نسبة اقبال التونسيين على 11 الف مركز اقتراع داخل البلاد وخارجها عرفت في ساعاتها الأولى اقبالا متوسطا تضاعف بتقدم ساعات نهار امس، الا أن الشباب لم يكن في الموعد وواصل عزوفه عن الانتخابات على خلفية فقدانه الثقة في النخبة السياسية ككل.
وتقدم للاستحقاق الرئاسي 27 مترشحاً انسحب 5 منهم، لكن أسماءهم بقيت على ورقة الاقتراع باعتبار ان الانسحابات جاءت بعد الآجال وبعد ان أتمت الهيئة المستقلة للإنتخابات عملية التوزيع والطبع. ويمنح القانون الانتخابي مهلة 3 أيام بداية من غلق آخر مكتب اقتراع للإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية ولكن الهيئة ستسعى لاختصار هذا الأجل إلى يومين..
وإذا لم يحصل أي مترشح على أغلبية 50% زائد صوت واحد، يتم اللجوء إلى دورة ثانية، يشارك فيها فقط المترشحان الحائزان على المرتبتين الأولى والثانية في الدورة الأولى.
وقد منح المشرع الهيئة أجلا أقصاه يوم 31 ديسمبر 2014 لإجراء الدورة الثانية، غير أنه من الممكن إجراؤها قبل هذا الموعد إذا لم يكن حجم الطعون كبيرا أو تم الفصل في الطعون بشكل سريع.
وكان رئيس الهيئة شفيق صرصار أفاد بأنه تم اعتماد 27 ألف ملاحظ و65 ألف ممثل للمترشحين للانتخابات الرئاسية، وقرابة 1000 صحفي "مثلوا العين الخارجية التي رصدت سير هذه الانتخاب ومختلف الاخلالات أو التجاوزات".
وفي حركة مفاجئة، وفي غفلة من الجميع وخلال ركون كافة المترشحين الى يوم الصمت الإنتخابي تلقت قيادة حركة نداء تونس اول امس رسالة رسمية من المنصف المرزوقي رئيس الدولة الحالي والمترشح للانتخابات الرئاسية، تتضمن دعوة للباجي قائد السبسي زعيم النداء ومرشحه للرئاسية الى تكليف رئيس حكومة جديد باعتبار الحركة الفائزة الأولى في التشريعية التي انتظمت منذ شهر فيما اعلنت الهيئة المستقلة للانتخابات، الجمعة، نتائجها النهائية.
وجاء رد فعل محسن مرزوق القيادي بحركة نداء تونس ومدير الحملة الدعائية للسبسي، سريعا وانفعاليا حيث صرح بان هذه الرسالة هي بمثابة "الانقلاب بعد الفشل في التشريعية"، على اعتبار أن الحوار الوطني الذي جمع كافة الأطياف السياسية كان أقر منذ أسبوعين أن يتولى الرئيس الجديد المنتخب تكليف السبسي بتشكيل الحكومة التي ستخلف حكومة المهدي جمعة وقال مرزوق: "بهذا القرار اللاّمسؤول يحاول المرزوقي دفع البلاد للفوضى بعد أن تأكّد من فشله في الإنتخابات الرئاسية.
ولكنّه سيفشل في مسعاه.
والمطلوب من أحزاب ومنظمات الحوار الوطني إيقافه عند حدّه بعد أن تجاوز حدّه وإفشال محاولة انقلابه على الدستور وعلى المسار الإنتخابي.
وإذا لم تنجح في ذلك فيجب تحميله مسؤولية محاولة الإنقلاب بكلّ أبعادها السياسية أوّلا وفي صورة تماديه في "جنونه" السياسي تحميله المسؤولية الجنائية ثانيا.
ولم يقف انصار وقياديو حزب المؤتمر الذي كان يتزعمه المرزوقي، مكتوفي الأيدي حيث أشار طارق الكحلاوي القيادي بالحزب الى ان "الفصل 148 من الاحكام الانتقالية (الباب العاشر من الدستور) ينص في نقطته الثانية على ان " أحكام القسم الثاني من الباب الرابع المتعلق بالحكومة تدخل حيز النفاذ بداية من يوم الاعلان عن النتائج النهائية لأول انتخابات تشريعية".
وينص القسم الثاني من الباب الرابع من الدستور وبالتحديد في الفصل 89 على انه "في اجل اسبوع من الاعلان عن النتائج النهائية للانتخابات، يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الحزب او الائتلاف الانتخابي المتحصل على اكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب، بتكوين الحكومة خلال شهر يجدد مرة واحدة".
ومن ثمة فإن الاجال المقصودة هنا والتي تجعل الاحكام الانتقالية تدخل حيز النفاذ هي يوم اعلان النتائج النهائية للانتخابات التشريعية وهو ما تم يوم الجمعة 21 نوفمبر 2014. هذا اول اختبار مباشر للحزب الاغلبي وخاصة رئيسه في احترام الدستور من عدمه.
وظيفة رئيس الجمهورية هي اساسا حماية الدستور.
سنرى من سيحرص على تطبيقه ومن سيتلاعب به للمساومة في الحملة الانتخابية.
واذا كان هناك انقلاب مثلما يقول مدير حملة مرشح السابع فهو الانقلاب على تطبيق الدستور."
ويتوقع المراقبون الذين فضل أغلبهم عدم الخوض في تداعيات رسالة المرزوقي الى السبسي حاليا، أن يسجل اقبال المقترعين تطورا مقارنة بما سجل خلال التشريعية، فيما ينقسم المحللون السياسيون الى قسمين، قسم يتنبؤ بفوز ساحق للباجي قائد السبسي مرشح نداء تونس على كا فة منافسيه منذ الدور الأول بنسبة تتجاوز الستين بالمائة من الأصوات المصرح بها، مما يستوجب الإكتفاء بدورة واحدة... في وقت يشير فيه شق اخر من المحللين السياسيين الى امكانية فوز السبسي وغريمه التاريخي المنصف المرزوقي بنسبة تكاد تكون متساوية ولا ترقى الى نصف الأصوات إجمالا، مما يجعل المرور الى الدور الثاني من الإستحقاق الرئاسي امرا ضروريا للحسم في أحدهما.
وكان المترشحون والزعماء السياسيين أدلوا بأصواتهم منذ ساعات الصباح الأولى وسط حضور اعلامي لافت وتعزيزات أمنية وعسكرية غير مسبوقة خاصة في ظل التهديدات الإرهابية للمجموعات المسلحة التي تستهدف اسماء سياسيين بالإغتيال. فقد صرح الباجي قائد السبسي عقب قيامه بواجبه الإنتخابي بأن "تونس تسير بفضل الاستحقاقات الانتخابية التشريعية والرئاسية في طريق مفتوح نحو الاستقرار وتحقيق الأمن ، داعياً التونسيين إلى الإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع لاختيار رئيس يجمع شملهم ويوحّد صفوفهم ويدعم المسار السياسي والتنموي في اتجاه تحقيق الرفاه والطمأنينة لكلّ مواطن.
" وأضاف المرشح الأبرز لخلافة المرزوقي في قصر قرطاج، بأن تونس بما لديها من تاريخ وكفاءات بشرية قادرة على أن تحتلّ المكانة التي هي جديرة بها في كوكبة الشعوب المتقدمة وتحقيق مقومات العيش الكريم والأمان للشعب التونسي الذي يتطلّع إلى المستقبل الأفضل.
من جهته، لاحظ الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التي لم تقدم مرشحا من ابنائها لهذا الاستحقاق الانتخابي وقررت الحياد التام وترك حرية الاختيار لقاعدتها الشعبية العريضة، بأنه يحق للتونسيين ان يكونوا فخورين بما تحقق لهم بعد الثورة وما حققوه من ريادة في مجال الديمقراطية في المنطقة معبراً عن اعتزازه بالمشاركة في اول انتخابات رئاسية تعددية في تاريخ تونس ومعرباً عن الأمل في ان يتمّ الانتقال بهذه الثورة إلى ثروة وإلى المزيد من الحرية والديمقراطية والمكاسب المجتمعية والاقتصادية.
وقال :" لا يعنيني من سيكون الرئيس بقدر ما يعنيني سير العملية الانتخابية في كنف الشفافية ووفق المعايير المعمول بها على الصعيد الدولي."